فإنه قد وردت الفاصلة في غير هذا الموضع بتواب رحيم، ويظن الظان أن هذا كذلك، ويقول إن التوبة مع الرحمة لا مع الحكمة، وليس كما يظن، بل الفاصلة بتواب حكيم أولى من تواب رحيم؛ لأن الله عز وجل حكم بالتلاعن على الصورة التي أمر بها، وأراد بذلك ستر هذه الفاحشة على عباده، وذلك حكمة منه، ففصلت الآية الواردة في آخر الآيات بتواب حكيم، فجمع فيها بين التوبة المرجوة من صاحب المعصية وبين الحكمة في سترها على تلك الصورة.
وهذا الباب ليس في علم البيان أكثر منه نفعا ولا أعظم فائدة.
ومما جاء من هذا الباب قول أبي الطيب المتنبي:
وقفت وما في الموت شك لواقف ... كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ... ووجهك وضاح وثغرك باسم
وقد أوخذ على ذلك، وقيل: لو جعل آخر البيت الأول آخرا للبيت الثاني وآخر البيت الثاني آخرا للبيت الأول لكان أولى.
ولذلك حكاية, وهي أنه لما استنشده سيف الدولة يوما قصيدته التي أولها:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم1
فلما بلغ إلى هذين البيتين قال: قد انتقدتهما عليك, كما انتقد على امرئ القيس قوله:
كأني لم أركب جوادًا للذة ... ولم أتبطن كاعبًا ذات خلخال