ومن ذلك ما ذكرته في وصف كريم، فقلت: "ولقد نزلت منه بمهلبي الصنع، أحنفي الأخلاق1، ولقيته فكأني لم أرع ممن أحب بلوعة الفراق، ولا كرامة للأهل والوطن حتى أقول إني قد استبدلت به أهلا ووطنا، وعهدي بالأيام وهي من الإحسان فاطمة, فاستولدتها بجواره حسنا".

وهذه تورية لطيفة, فإن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن رضي الله عنهما ولدها، وفاطمة هي اسم فاعل من الفطام، يقال: فطمت فهي فاطمة، كما يقال: فطم فهو فاطم2، والحسن: هو الشيء الحسن الأسلوب.

ومن هذا الأسلوب ما كتبته في فصل من كتاب إلى بعض الإخوان، فقلت: "وعهدي بقلمي وهو يتحلى من البيان بأسمائه، وتبرز أنوار المعاني من ظلمائه، وقد أصبحت يدي منه وهي حمالة الحطب، وأصبح خاطري أبا جهل بعد أن كان أبا لهب".

وهذا أحسن من الأول، وأخلب عبارة، فانظر أيها المتأمل إلى ما فيه من التورية اللطيفة، ألا ترى أن الخاطر يحمد فيوصف بأنه وقاد وملتهب، ويذم فيوصف بأنه بليد وجاهل، وأبو لهب وأبو جهل هما الرجلان المعروفان، وكذلك حمالة الحطب هي المرأة المعروفة، وإذا ذم القلم قيل: إنه حطب، وإن صاحبه حاطب، فلما نقلت أنا هذا المعنى الذي قصدته جئت به على حكم المغالطة، ووريت فيه تورية.

والمسلك إلى مثل هذه المعاني وتصحيح المقصد فيها عسر جدا، لا جرم أن الإجادة فيها قليلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015