جزء بن كليب الفقعسي1، من شعراء الحماسة، وقد خطب إليه ابن كوز ابنته فرده:
تبغَّي ابن كوزٍ والسفاهة كاسمها ... ليستاد منَّا أن سنونا لياليا2
فلا تطلبنَّها يا ابن كوزٍ فإنه ... غذا الناس مذ قام النبي الجواريا3
وهذا البيت الثاني يشتمل على المعنيين التامِّ والمقدَّرِ، أما التام: فإن ابن كوز سأل أبا هذه الجارية أن يزوجه إياها في سنة، والسنة: الجدب، فردَّه وقال: قد غذاْ الناس البنات مذ قام النبي -صلى الله عليه وسلم، وأنا أيضًا أغذو هذه، ولولا ذلك لوأدتها كما كانت الجاهلية تفعل، وفيه وجه آخر، وهو أنهم كانوا يئدون البنات قبل الإسلام, فلمَّا جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ذلك، فقوله: "غذاْ الناس مذ قام النبي الجواريا" أي: في النساء كثرة، فتزوَّج بعضهن وخل ابنتي، وهذان المعنيان هما اللذان دلَّ عليهما ظاهر اللفظ.
وأما المعنى المقدَّر الذي يعلم من مفهوم الكلام، فإنه يقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بإحياء البنات، ونهى عن الوأد، ولو أنكحتكها لكنت قد وأدتها؛ إذ لا فرق بين إنكاحك إياها وبين وأدها، وهذا ذم للمخاطب، وهو معنى دقيق.
ومجيء المعاني المستخرجة من المفهومة قليل من الشعر.
وأمَّا ما يستدل عليه بقرينة ليست من توابعه, فإن ذلك أدق من الأول، وألطف مأخذًا.
فمِمَّا ورد منه قول النبي -صلى الله عليه وسلم:$"من جعل قاضيًا بين الناس فقد ذبح بغير سكين" فهذا يستخرج منه المعنيان المشار إليهما، فالتامّ منهما يدل على أنه من جعل