الثالث: أنه دعا عليه بألَّا يكون له أثر من الآثار مطلقًا, وهو ألَّا يفعل فعلًا يبقى أثره من بعده كائنًا ما كان من عقب, أو بناء, أو غراس, أو غير ذلك.

وظفرت الحروريّة1 برجل، فقالوا له: ابرأ من علي وعثمان، فقال: أنا من علي ومن عثمان أبرأ، فهذا يدل على معنيين, أحدهما: أنه بريء من عثمان وحده، والآخر: أنه بريء منهما جميعًا، والرجل لم يرد إلّا الوجه الأول.

ومن ذلك ما يحكى عن عبد المسيح بن بُقَيْلة لما نزل بهم خالد بن الوليد على الحيرة، وذاك أنه خرج إليه عبد المسيح بن بُقَيْلة2، فلمَّا مَثُلَ بين يديه قال: انعم صباحًا أيها الملك، فقال له خالد: قد أغنانا الله عن تحيتك هذه بـ"سلام عليكم"، ثم قال له: من أين أقصى أثرك? قال: من ظهر أبي، قال: فمن أين خرجت? قالت من بطن أمي، قال: فعلام أنت? قال: على الأرض، قال: ففيم أنت? قال: في ثيابي، قال: ابن كم أنت? قال: ابن رجل واحد، قال خالد: ما رأيت كاليوم قط، أنا أسأله عن الشيء وهو ينحو في غيره، وهذا من توجيه الكلام على نمط حسن، وهو يصلح أن يكون جوابًا لخالد عمَّا سأل، ويصلح أن يكون جوابًا لغيره مما ذكره عبد المسيح بن بقيلة.

وقد ورد في التوراة ألَّا يؤكل الجدي بلبن أمه، وهذا يحتمل التحريم في وجهين, أحدهما: ما دلَّ عليه ظاهر لفظه، وهو تحريم لحم الجدي بلبن أمه خاصة، وإذا أُكِلَ بلبن غير لبن أمه جاز ذلك، ولم يكن حرامًا، وهذا لا يؤخذ به أحد من اليهود، والوجه الآخر وهو الذي يأخذ به عند اليهود جميعهم أن أكل اللحم باللبن حرام، كائنًا ما كان من اللحوم، إلّا طائفة منهم يسمون "القرَّائين"، فإنهم تأوَّلوا فأكلوا لحم الطير باللبن، وقالوا: إنما حُرِّم اللحم باللبن من اللحوم ذوات الألبان، والطير من ذوات البيض لا من ذوات الألبان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015