ومن غش المنكرات أيضًا خضاب الشيب الذي يخالف فيه الظاهر الباطن، ويتخلق صاحبه بخلق الكاذب الخائن، وهب أنه أخفى لون شعره، وهل يخفي أخلاق لباسه، وإذا استسن ملائم المرء، فلا يغنيه سواد عارضه، ولا سواد رأسه، وقد جعل الله الشيب من نعمه المبشرة بطول الأعمار، وسماه نورا للونه وهدايته، ولا تستوي الظلمات والأنوار، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: " قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة" ... والأولى بصاحب1 الشيب أن يشتغل بتغيير صيغة الكتاب2، ويدأب في محو سواد العقاب ببياض الثواب، ففي بقية عمره مندوحة لادخار ما يحمد ذخره، وتبديل ما تقدم سطره.

ومما خولفت فيه السنة عقد مجالس التعازي لحضور الناس، وإظهار شعار الأسود، والأزرق من اللباس، والتشبيه3 بالجاهلية في النوح والندب، ومجاوزة دمع العين وخشوع القلب إلى الإعلان بإسخاط الرب، وقد تواطأ النساء على ضرب الخيام على القبور، وجعل الأعياد مواسم لاجتماع الزائر والمزور، فصارت المآتم بينهم ولائم، والمنادب عندهم مآدب، وربما نشأ من ذلك ما يغض طرفا، ويجدع أنفا، ويوجب حدا وقذفا، وهكذا أهمل أمر الإسلام في تشبه أهل الذمة بأهله، وما كانوا ليشابهوه في زي غرته، ويخالفوه في سلوك سبله، ولا بد من الغيار بأن يشد النصراني عقدة زناره، ويصفر اليهودي أعلى إزاره.

وليمنعوا من الظاهر4 بطغيان النعمة وعلو الهمة، ويؤمروا بالوقوف عند ما حكم عليهم من الأحكام، وأخذوا فيه بالاختفاء والاكتتام، فخمورهم تستر،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015