عند الله مما طلعت عليه الشمس، ولا يوازى فتحه عنوة أن يتعدى إليهم أضراره، ولا شك أنهم يعاجلون بالقتل قبل أن تدخل أقطاره.

فرأى الخادم عند ذلك أن الرأي مشترك، وأن له معتركا كما أن السيف له معترك، وتقرر تسليم البلد ودموع أهله قد خضبت أحداقها، وأقرحت آماقها1 ولم تطب أنفسهم بفراق قمامه حتى كادت الهام تفارق أعناقها، فعلى حسب ذلك التراب تقوم قيامتهم، وتشيل نعامتهم، ولطالما ابتهلوا عنده أيام الحصار، واستنصروه فلم يحظوا منه بمعونة الانتصار، وكيف يرجى النصر من معبود تقر شيعته بقتله؟، أم كيف يدفع عن غيره من كان هو مبتلى بمثله، وهذه عقول سخيفة نفذ فيها كيد شيطانها، وأخفى عنها محجة الحق على وضوح بيانها.

ولقد كان يوم التسليم عريض الفخار، زائد العمر على عمر أبويه من الليل والنهار، واشتق من اسمه معنى السلامة للمسلمين والهلاك للكفار، وزاده فخرا إلى فخره أنه وافق اليوم المسفر عن ليلة المعراج النبوي الذي كان في تلك الأرض موعده، ومن صخرتها مصعده، وذلك هو الإسراء الذي ركب إليه ظهر البراق2، واستفتح له أبواب السبع الطباق، ولقي فيه الأنبياء على اختلاف درجاتهم، فظفر خير ملقى بخير لاق، وبركة ذلك اليوم سرت إلى هذا، فأطالت من شهرته، وضمنته نصرة الدين الحنيف الذي لله عناية بنصرته، وجعلته تاريخًا يؤرخ بفتحه كما أرخ النبي -صلى الله عليه وسلم- بدار هجرته، وإذا أنصف واصفه قال: إنه لليوم البدري في اقتراب النسب، وإنه العجيبة التي لم تجفل عنها الأيام في صفر، وإنما أجفلت عنها في رجب، فما أكثر الفائز فيه والمغبون، والمسرور والمحزون فيمن جد راكب ومن جد راجل، ومن عز قادم وذل راحل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015