القوم، ويقال له فيها: ما ضرك ما صنعت بعد اليوم، وقد سلفت منها آيات تتمايل في أشباهها وأضرابها، واستؤنف لها الآن واحدة تدعى بأم كتابها، وهي فتح البيت المقدس الذي تفتحت له أبواب السماء، وكثرت بأحاديث مجده كواكب ظلماء، واسترد حق الإسلام، وطالما سعت الهمم في طلبه بالزاد والماء، ومن أحسن ما أتي به أنه آنس قبلته الثانية بقبلته الأولى، وأطال منه كل ما قصرته يد الكفر، وكانت هي الطولى، وبه صح لهذا البيت معنى اسمه، وانتقل إلى الطهارة ونزاهتها عن الرجس ووصمه، ولم يحزه الخادم حتى طوى ما حوله من البلاد المنجدة والغائرة، وكان مركزا لدائرتها فغادره وهو طرف من أطراف الدائرة، ولما شارفه نظر منه إلى ظلة من الظلل، ورأى بلدًا قد استقر على متن الجبل مثل الجبل، ويطيف به واد يستهزئ عصمته بنوب الدهر، وقد انعطف على جوانبه انعطاف الحبوة على الظهر1، والمسالك إليه مع ذلك ذات تعاريج ومعارج، وهي ضيقة مستوعرة يطلق عليها اسم الطرق، ولا يطلق عليها اسم المناهج، فلما رآه قال: هذا أمنية لمن يرى، وعلم حينئذ أن كل الصيد في جوف الفرا2، إلا أن لسان حاله خاطبه، وهو أفصح الخطاب، وقال: امدد يدك فليس دونها من حجاب.
وكان قد برز من السلاح في لباس رائع من المنعة، وأخرج من السواد الأعظم ما خدع العيون والحرب خدعة، وما يمنع رقاب البلاد بكثرة السواد، ولا يحمى بعوالي الأسوار بل بعوالي الصعاد، وفي يوم كذا وكذا خيم المسلمون في عقر داره، ونزلوا منه نزول الجار إلى جانب جاره، ثم ارتادوا موقفا للقتال، وإن لم يكن هناك موقف يقرب مناله، ولا يتسع مجاله، واتفق الرأي على لسان المنجنيق في خطبة عقيلية أبلغ خطابا.