وهو يرد حقيقة، ومجازًا.
أما الحقيقة فمثل قولهم: رأيته بعيني، وقبضته بيدي، ووطئته بقدمي، وذقته بفمي، وكل هذا يظن الظان أنه زيادة لا حاجة إليها، ويقول: إن الرؤية لا تكون إلا بالعين، والقبض لا يكون إلا باليد، والوطء لا يكون إلا بالقدم، والذوق لا يكون إلا بالفم، وليس الأمر كذلك، بل هذا يقال في كل شيء يعظم مناله، ويعز الوصول إليه، فيؤكد الأمر فيه على هذا الوجه دلالة على نيله والحصول عليه، كقول أبي عبادة البحتري1:
تأمل من خلال السجف وانظر ... بعينك ما شربت ومن سقاني2
تجد شمس الضحى تدنو بشمس ... إلي من الرحيق الخسرواني
ولما كان الحضور في هذا المجلس مما يعز وجوده، وكان الساقي فيه على هذه الصفة من الحسن، قال: انظر بعينك.
وعلى هذا ورد قوله تعالى: {ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} 3.
فإن هذا القول لما كان فيه افتراء عظم الله تعالى على قائله:
ألا ترى إلى قوله تعالى في قصة الإفك: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} 4.
فصرح في هذه الآية بما أشرت إليه من تعظيم الأمر المقول.