وذلك مما نحن بصدده أخص، فإن اللطائف فيه أكثر وأعجب، كقولنا: فلان يحل ويعقد، ويبرم وينقض، ويضر وينفع، والأصل في ذلك على إثبات المعنى المقصود في نفسك للشيء على الإطلاق.
وعلى هذا جاء قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى، وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} 1.
ومن بديع قوله عزوجل: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} 2.
فإن في هاتين الآيتين قد حذف المفعول به في أربعة أماكن، إذ المعنى: وجد أمة3 من الناس يسقون مواشيهم، وامرأتين تذودان مواشيهما، وقالتا: لا نسقي مواشينا، فسقى لهما مواشيهما؛ لأن الغرض أن يعلم أنه كان من الناس سقي: ومن الامرأتين ذود، وأنهما قالتا: لا يكون منا سقي حتى يصدر الرعاء4، وأنه كان من موسى عليه السلام بعد ذلك السقي، فأما كون المسقي غنما، وإبلا أو غير ذلك فخارج عن الغرض.
وقد ورد في الشعر من هذا النوع قول البعيث بن حريث5 من أبيات الحماسة6: