مُبِينٍ، إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ، قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} 1.

فمخرج هذا القول مخرج الاستئناف؛ لأن ذلك من مظان المسألة عن حاله عند لقاء ربه.

وكأن قائلا قال: كيف حال هذا الرجل عند لقاء ربه بعد ذلك التصلب في دينه، والتسخي لوجهه بروحه? فقيل: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} ، ولم يقل: قيل له، لانصباب الغرض إلى المقول لا إلى المقول له مع كونه معلوما.

وكذلك قوله تعالى: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} ، مرتب على تقدير سؤال سائل عما وجد.

ومن هذا النحو قوله عزوجل: {يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} 2.

والفرق بين إثبات الفاء في سوف كقوله تعالى: {يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ، مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} 3. وبين حذف الفاء ههنا في هذه الآية أن إثباتها وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل، وحذفها وصل خفي تقديري بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدر، كأنهم قالوا: فماذا يكون إذا عملنا نحن على مكانتنا، وعملت أنت? فقال: {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} ، فوصل تارة بالفاء، وتارة بالاستئناف للتفنن في البلاغة، وأقوى الوصلين وأبلغهما الاستئناف? وهو قسم من أقسام علم البيان تكثر محاسنه، فاعرفه إن شاء الله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015