وأما الذي يجب توخيه واعتماده، فهو أن يسلك المذهب القويم في تركيب الألفاظ على المعاني، بحيث لا تزيد هذه على هذه، مع الإيضاح والإبانة، وليس على مستعمل ذلك أن يفهم العامة كلامه، فإن نور الشمس إذا لم يره الأعمى لا يكون ذلك نقصا في استنارته، وإنما النقص في بصر الأعمى، حيث لم يستطع النظر إليه.

علي نحت القوافي من معادنها ... وما علي بأن لا تفهم البقر

وحيث انتهى بنا القول إلى هذا الموضع، فلنرجع إلى ما هو غرضنا، ومهمنا من الكلام على الإيجاز وحده وأقسامه، ونوضح ذلك إيضاحا جليا، والله الموفق للصواب، فنقول:

حد الإيجاز:

هو دلالة اللفظ على المعنى من غير أن يزيد عليه.

والتطويل هو ضد ذلك، وهو أن يدل المعنى بلفظ يكفيك بعضه في الدلالة عليه، كقول الهجير السلولي1 من أبيات الحماسة:

طلوع الثنايا بالمطايا وسابق ... إلى غاية من يبتدرها يقدم2

فصدر هذا البيت فيه تطويل لا حاجة إليه، وعجزه من محاسن الكلام المتواصفة، وموضع التطويل من صدره أنه قال: "طلوع الثنايا بالمطايا"، فإن لفظة المطايا فضلة لا حاجة إليها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015