ولولا تلك المقدمات المعلومة والأسباب المعروفة، لما فهم من قول القائل: "إن يبغ عليك قومك لا يبغ عليك القمر" ما ذكرناه من المعنى المقصود، بل كان يفهم من هذا القول معنى مفيد؛ لأن البغي هو الظلم، والقمر ليس من شأنه أن يظلم أحدًا، فكان يصير معنى المثل: إن كان يظلمك قومك لا يظلمك القمر، وهذا كلام مختلّ المعنى, ليس بمستقيم.

فلمَّا كانت الأمثال كالرموز والإشارات التي يلوح بها على المعاني تلويحًا, صارت من أوجز الكلام وأكثره اختصارًا.

ومن أجل ذلك قيل في حد المثل: إنه القول الوجيز المرسَل ليعمل عليه، وحيث هي بهذه المثابة, فلا ينبغي الإخلال بمعرفتها.

وأما أيام العرب فإنها تتنوع وتتشعب، فمنها أيام فخار، ومنها أيام محاربة، ومنها أيام منافرة، ومنها غير ذلك.

ولا يخلو الناظم والناثر من الانتصاب لوصف يوم يمر به في بعض الأحوال شبيها بيوم من تلك الأيام، ومماثلًا له، فإذا جاء بذكر بعض تلك الأيام المناسبة لمراده الموافقة له، وقاس عليه يومه، فإنه يكون في غاية الحسن والرونق، هذا لا خفاء به.

وأما الوقائع التي وردت في حوادث خاصَّة بأقوام، فإنها كالأمثال في الاستشهاد بها، وسأبيِّن لك نبذة منها حتى تعلم مقدار الفائدة بها: فمن ذلك أنه ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديث بيعة الحديبية1 تحت الشجرة، وكان أرسل عثمان -رضي الله عنه- إلى مكة في حاجة عرضت له، ولم يحضر البيعة، فضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده الشمال على اليمين وقال: "هذه عن عثمان وشمالي خير من يمينه".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015