والإلقاء قبله؛ لأن من شأن مقابلة خطابهم موسى بمثله أن كانوا قالوا: {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ} ، وإما أن تلقي وإما أن تلقى، لتكون الجملتان متقابلتين، فحيث قالوا عن أنفسهم: {وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} ، استدل بهذا القول على رغبتهم في الإلقاء قبله.

توكيد المتصل بالمتصل:

وأما توكيد المتصل بالمتصل، فكقوله تعالى في سورة الكهف: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا، قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} 1.

وهذا بخلاف قصة السفينة، فإنه قال فيها: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} 2.

والفرق بين الصورتين أنه أكد الضمير في الثانية دون الأولى3، فقال في الأولى: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ ... } وقال في الثانية: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ} .

وإنما جيء بذلك للزيادة في مكافحة العتاب على رفض الوصية مرة على مرة، والوسم بعدم الصبر.

وهذا كما لو أتى إنسان ما نهيته عنه فلمته وعنفته، ثم أتى ذلك مرة ثانية، أليس أنك تزيد في لومه وتعنيفه?

وكذلك فعل ههنا، فإنه قيل في الملامة أولا: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ} ، ثم قيل ثانيا: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ} ، وهذا موضع يدق عن العثور عليه ببادرة النظر، ما لم يعط التأمل فيه حقه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015