وأما ما قصد به التوسع خاصة، فكقول الصمة بن عبد الله من شعراء الحماسة1:
حننت إلى ريا ونفسك باعدت ... مزارك من ريا وشعباكما معا
فما حسن أن تأتي الأمر طائعًا ... وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا
وقد ورد بعد هذين البيتين ما يدل على أن المراد بالتجريد فيهما التوسع؛ لأنه قال:
وأذكر أيام الحمى ثم أنثني ... على كبدي من خشية أن تصدعا2
بنفسي تلك الأرض ما أطيب الربا ... وما أحسن المصطاف والمتربعا
فانتقل من الخطاب التجريدي إلى خطاب النفس، ولو استمر على الحالة الأولى لما قضي عليه بالتوسع، وإنما كان يقضى عليه بالتجريد البليغ الذي هو الطرف الآخر، ويتأول له بأن غرضه من خطاب غيره أن ينفي عن نفسه سمعة الهوى، ومعرة العشق، لما في ذلك من الشهرة والغضاضة، لكن قد زال هذا التأويل بانتقاله عن التجريد أولًا إلى خطاب النفس.
وعلى هذا الأسلوب، ورد قول أبي الطيب المتنبي3:
لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
واجز الأمير الذي نعماه فاجئة ... بغير قول ونعمى القوم أقوال
وهذان البيتان من مطلع قصيدة يمدح بها فاتكًا الإخشيدي بمصر، وكان وصله بصلة سنية من نفقة وكسوة قبل أن يمدحه، ثم مدحه بعد ذلك بهذه القصيدة، وهي من غرر شعره، وقد بنى مطلعها على المعنى المشار إليه من ابتداء فاتك إياه بالصلة قبل المديح.