يا خير مَنْ كان ومن يكون ... إلا النبيُّ الطاهر الميمون1
فرفع في الاستثناء من الموجب، وهذا من ظواهر النحو, وليس من خافيه في شيء.
وكذلك قال أبو الطيب المتنبي2:
أرأيت هِمَّةَ ناقتي في ناقةٍ ... نقلت يدًا سُرُحًا وخفًّا مجمَرَا3
تركت دُخَان الرمث في أوطانها ... طلبًا لقومٍ يوقدون العنبرا4
وتكرَّمت ركباتها عن مبركٍ ... تقعان فيه وليس مسكًا أذْفَرَا5
فجمع في حال التثنية، لأن الناقة ليس لها إلا ركبتان، فقال: ركبات، وهذا من أظهر ظواهر النحو وقد خفي على مثل المتنبي.
ومع هذا فينبغي لك أن تعلم أن الجهل بالنحو لا يقدح في فصاحة ولا بلاغة، ولكنه يقدح في الجاهل به نفسه؛ لأنه رسوم قوم تواضعوا عليه، وهم الناطقون باللغة، فوجب اتباعهم.
والدليل على ذلك أن الشاعر لم ينظم شعره وغرضه منه رفع الفاعل ونصب المفعول, أو ما جرى مجراهما، وإنما غرضه إيراد المعنى الحسن في اللفظ الحسن المتَّصفين بصفة الفصاحة والبلاغة، ولهذا لم يكن اللحن قادحًا في حسن الكلام، لأنه إذا قيل: "جاء زيد راكب"، إن لم يكن حسنًا إلّا بأن يقال: "جاء راكبًا"، بالنصب لكان النحو شرطًا في حسن الكلام، وليس كذلك.
فتبين بهذا أنه ليس الغرض من نظم الشعر إقامة إعراب كلماته، وإنما الغرض أمر وراء ذلك، وهكذا يجري الحكم في الخطب والرسائل من الكلام المنثور.
وأما الإدغام فلا حاجة إليه لكاتب، لكنَّ الشاعر ربما احتاج إليه؛ لأنه قد يضطر في بعض الأحوال إلى إدغام حرف، وإلى فك إدغام، من أجل إقامة الميزان الشعري.