خيل به إلى السامع خيالًا يحسن الشيء عنده تارة، ويقبحه أخرى؟ ولولا التوصل بطريق التشبيه على هذا الوجه لما أمكنه ذلك.

وهذا المثال كاف فيما أردناه.

واعلم أن محاسن التشبيه أن يجيء مصدريًا، كقولنا: أقدم إقدام الأسد، وفاض فيض البحر، وهو ما أحسن ما استعمل في باب التشبيه، كقول أبي نواس في وصف الخمر1:

ثم لما مزجوها ... وثبت وثب الجراد2

ثم لما شربوها ... أخذت أخذ الرقاد3

وقيل: إن من شرط بلاغة التشبيه أن يشبه الشيء بما هو أكبر منه وأعظم.

ومن ههنا غلط بعض الكتاب من أهل مصر في ذكر حصن من حصون الجبال مشبهًا له، فقال: "هامةٌ عليها من الغمامة عمامة، وأنملة خضبها الأصيل، فكان الهلال منها قلامة".

وهذا الكاتب حفظ شيئًا، وغابت عنه أشياء!!

فإنه أخطأ في قوله: "أنملة" وأي مقدار للأنملة إلى تشبيه حصن على رأس جبل؟

وأصاب في المناسبة بين ذكر الأنملة والقلامة، وتشبيهها بالهلال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015