عليه، ثم جاء بعدهما الخليل بن أحمد الأزدي1، وتتابع الناس واختلف البصريون والكوفيون في بعض ذلك. فهذا ما بلغني من أمر النحو في أول وضعه، وكذلك العلوم كلها: يوضع منها في مبادئ أمرها شيء يسير، ثم يزاد بالتدريج إلى أن يستكمل آخرًا.

فإن قيل: أما علم النحو فمُسَلَّمٌ إليك أنه تجب معرفته، لكنَّ التصريف لا حاجة إليه؛ لأن التصريف إنما هو معرفة أصل الكلمة وزيادتها وحذفها وإبدالها، وهذا لا يضر جهله، ولا تنفع معرفته، ولنضرب لذلك مثالًا كيف اتفق، فنقول: إذا قال القائل: "رأيت سرداحًا2"، لا يلزمه أن يعرف الألف في هذه الكلمة زائدة هي أم أصلية؛ لأن العرب لم تنطق بها إلّا كذلك، ولو قالت: "سردحًا"، بغير ألف لما جاز لأحد أن يزيد الألف فيها من عنده فيقول: "سرداحًا"، فعلم بهذا أنه إنما ينطق الألفاظ كما سمعت عن العرب، من غير زيادة فيها ولا نقص، وليس يلزم بعد ذلك أن يعلم أصلها ولا زيادتها؛ لأن ذلك أمر خارج [لا3] تقتضيه صناعة تأليف الكلام.

فالجواب عن ذلك أنا نقول: اعلم أنَّا لم نجعل معرفة التصريف كمعرفة النحو؛ لأن الكاتب أو الشاعر إذا كان عارفًا بالمعاني، مختارًا لها, قادرًا على الألفاظ، مجيدًا فيها، ولم يكن عارفًا بعلم النحو، فإنه يفسد ما يصوغه من الكلام, ويختل عليه ما يقصده من المعاني، كما أريناك في ذلك المثال المتقدم.

وأما التصريف فإنه إذا لم يكن عارفًا به لم تفسد عليه معاني كلامه، وإنما تفسد عليه الأوضاع، وإن كانت المعاني صحيحة، وسيأتي بيان ذلك في تحرير الجواب، فنقول: أما قولك: إن التصريف لا حاجة إليه، واستدلالك بما ذكرته من المثال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015