من "في" الأطراف المجاورة يعزونه، وحضر عندي بعض الأدباء ممن يجب أن يكون كاتبًا، وعرض علي نسخة ما كوتب به ذلك الملك في التعزية بزوجته وولدها، فوجدتها كتبًا باردة غثة، لا تعرب عن الحادثة، بل بينها وبينها بعد المشرقين، ومن شرط الكتابة أن يكون الكتاب مضمنًا فض المعنى المقصود.

والتعازي مختلفة الأنحاء: فتعازي النساء غير تعازي الرجال، وهي من مستصعبات فن الكتابة والشعر، وتعازي الرجال أيضًا تختلف، فلا يعزى بالميت على فراشه، كما يعزى بالميت قتيلًا، ولا يعزى بالقتيل كما يعزى بالغريق.

وهكذا يجري الحكم في المعاني جميعها، وهذا شيء لا يتنبه له إلا الراسخون في هذا الفن من أرباب النثر والنظم.

وسألني ذلك الرجل عن هذه التعزية المشار إليها في المرأة وولدها الصغير، وقال: "أحب أن أعلم كيف تكون"؛ فأمليت عليه ثلاثة كتب، كل كتاب يتضمن معنى لا يتضمنه الكتاب الآخر.

فمما جاء منها كتاب أنا ذاكره ههنا، وهو:

أشجى التعازي ما أتبع فيه المفقود بمفقود، لا سيما إذا جمع بين سعد الإخبية1 وسعد السعود2، وكل منهما يعظم حزنًا كما يعظم مكانًا، وهذا يحسر عن الوجوه خمرًا، وهذا يلقي عن الرءوس تيجانًا، ولم يوفهما حقهما من بكى ولا من ندب، ولا من شعر ولا من كتب، وليت فدى أحدهما بصاحبه، فعاش درهما المفدى بالذهب:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015