فالجواب عن ذلك أني أقول: إن سلمت إليك أن الشعر والخطابة كانا للعرب بالطبع والفطرة، فماذا تقول فيمن جاء بعدهم من شاعر، وخطيب تحضروا وسكنوا البلاد، ولم يروا البادية ولا خلقوا بها، وقد أجادوا في تأليف النظم والشعر، وجاءوا بمعانٍ كثيرة ما جاءت في شعر العرب، ولا نطقوا بها؟.
فإن قلت: إن هؤلاء وقفوا على ما ذكره علماء اليونان وتعلموا منه.
قلت لك في الجواب: هذا شيء لم يكن، ولا علم أبو نواس شيئًا منه، ولا مسلم بن الوليد، ولا أبو تمام ولا البحتري، ولا أبو الطيب المتنبي، ولا غيرهم!.
وكذلك جرى الحكم في أهل الكتابة كعبد الحميد1 وابن العميد2، والصابي، وغيرهم.
فإن ادعيت أن هؤلاء تعلموا ذلك من كتب علماء اليونان قلت لك في الجواب: هذا باطل بي أنا، فإني لم أعلم شيئًا مما ذكره حكماء اليونان، ولا عرفته، ومع هذا فانظر إلى كلامي، فقد أوردت لك نبذة منه في هذا الكتاب، وإذا وقفت على رسائلي، ومكاتباتي -وهي عدة مجلدات- وعرفت أني لم أتعرض لشيء مما ذكره حكماء اليونان في حصر المعاني علمت حينئذ أن صاحب هذا العلم من النظم، والنثر بنجوةٍ من ذلك كله، وأنه لا يحتاج إليه أبدًا، وفي كتابي هذا ما يغنيك وهو كافٍ.
ولقد فاوضني بعض المتفلسفين في هذا، وانساق الكلام إلى شيء ذكر لأبي علي