الفصل الثاني: في آلات علم البيان وأدواته

مدخل

...

الفصل الثاني: في آلات علم البيان وأدواته

اعلم أن صناعة تأليف الكلام من المنظوم والمنثور تفتقر إلى آلات كثيرة, وقد قيل: ينبغي للكاتب أن يتعلّق بكل علم، حتى قيل: كل ذي علم يسوغ له أن ينسب نفسه إليه, فيقال2: فلان النحوي، وفلان الفقيه، وفلان المتكلِّم، ولايسوغ له أن ينسب نفسه إلى الكتابة فيقال1: فلان الكاتب، وذلك لما يفتقر إليه من الخوض في كل فنّ, وملاك هذا كله الطبع، فإنه إذا لم يكن ثَمَّ طبع فإنه لا تغني تلك الآلات شيئًا؛ ومثال ذلك كمثل النار الكامنة في الزناد, والحديدة التي يُقْدَح بها؛ ألا ترى أنه إذا لم يكن في الزناد نار لا تفيد تلك الحديدة شيئًا? وكثيرًا ما رأينا وسمعنا من غرائب الطباع في تعلُّم العلوم، حتى إن بعض الناس يكون له نفاذ في تعلُّم علم مشكَل المسلك, صعب المأخذ، فإذا كلف تعلُّم ما هو دونه من سهل العلوم نكص على عقبيه2، ولم يكن فيه نفاذ. وأغرب من ذلك أن صاحب الطبع في المنظوم يجيد في المديح دون الهجاء، أو في الهجاء دون المديح، أو يجيد في المراثي دون التهاني، أو في التهاني دون المراثي، وكذلك صاحب الطبع في المنثور؛ هذا ابن الحريري3 صاحب المقامات؛ قد كان على ما ظهر عنه من تنميق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015