عرَّفتك أن ما يفصل بين صيغه بواو العطف يكون أقل ثقلًا مما لا يفصل، والذي أنكرته من ذلك هو أن يأتي ألفاظ مكررة على صيغة واحدة كأنها عُقَدٌ متصلة، فحينئذ يثقل النُّطْق بها، ويكره موقعها من السمع كبيت أبي الطيب المتنبي.

وأمَّا هذه الآية المشار إليها فإنها خارجة عن هذا الحكم.

ألا ترى أنها لما وردت ألفاظها على صيغة واحدة فُرِّق بينها بواو العطف، ثم مع التفريق بينها بواو العطف لم يرد التكرير فيها إلّا بين ثنتين، وهما "خذوهم" "واحصروهم".

وأما الصيغة الأولى فإنها أضيف إليها كلام آخر، فقيل: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} ولم يقل: اقتلوا المشركين وخذوهم، ثم لما جاءت الصيغة الرابعة أضيف إليها كلام آخر أيضًا فقيل: {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} .

لا جرم أن الآية جاءت غير ثقيلة على النطق مع توارد صيغة صيغة الأمر فيها أربع مرار.

وهذه رموز ينبغي أن يتنبّه لها في استعمال الألفاظ إذا جاءت هكذا.

القسم الرابع من المعاظلة:

وهو الذي يتضمن مضافات كثيرة كقولهم: "سَرْجُ فَرَسِ غُلَامِ زَيْدٍ"، وإن زيد على ذلك قيل: "لِبْدُ سَرْجِ فَرَسِ غُلَامِ زَيْدٍ"، وهكذا أشدّ قبحًا وأثقل على اللسان، وعليه ورد قول ابن بابك1 الشاعر في مفتتح قصيدة له:

حمامة جَرْعَا حومَة الجندل اسجَعِي ... فأنت بمرأًى من سُعَاد ومَسْمَعِ

القسم الخامس من المعاظلة:

أن ترد صفات متعددة على نحوٍ واحد، كقول أبي تمام في قصيدته التي مطلعها:

ما لكثيب الحِمَى إلى عَقَدِه2

طور بواسطة نورين ميديا © 2015