فالمصراع الأول غير محتاج إلى الثاني في فهم معناه، لكن لمَّا جاء الثاني صار مرتبطًا به، وكذلك ورد قول أبي تمام:
ألم يأن أن تُروِى الظماء الحوائم ... وأن ينظم الشمل المبدَّد ناظم1
وعليه ورد قول المتنبي:
الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أولٌ وهي المحل الثاني2
المرتبة الثالثة: أن يكون الشاعر مخيرًا في وضع كل مصراعٍ وضع صاحبه, ويسمَّى "التصريع الموجه" وذلك كقول ابن الحجاج البغدادي3:
من شروط الصبوح في المهرجان ... خفة الشَّرْبِ مع خلو المكان4
فإن هذا البيت يجعل مصراعه الأوّل ثانيًا, ومصراعه الثاني أولًا، وهذه المرتبة كالثانية في الجودة.
المرتبة الرابعة: أن يكون المصراع الأول غير مستقرّ بنفسه، ولا يفهم معناه إلّا بالثاني, ويسمَّى "التصريع الناقص"، وليس بمرضي ولا حسن، فممَّا ورد منه قول المتنبي:
مغاني الشعب طيبًا في المغاني ... بمنزلة الربيع من الزمان5
فإن المصراع الأول لا يستقلّ بنفسه في فهم معناه دون أن يذكر المصراع الثاني.