وأمره أن يوصي عمَّاله بالشدِّ على يد الحكَّام، وتنفيذ ما يصدر عنهم من الأحكام, وأن يحضروا مجالسهم حضور الموقَّرين لها, الذَّابين عنها, المقيمين لرسوم الهيبة, وحدود الطواعية فيها؛ ومن خرج عن ذلك من ذي عقل ضعيف, وحلم سخيف، نالوه بما يردعه، وأحلّوا به ما يَزَعَه1، ومتى تقاعس متقاعسٌ عن حضورٍ مع خصمٍ يستدعيه بأمرٍ يوجبه الحكم إليه فيه2، أو التوى ملتوٍ بحقٍّ يحصل عليه, ودين يستقر في ذمَّته، قادوه إلى ذلك بأزمَّة الصغار, وخزائم3 الاضطرار, وأن يُحْبَسُوا ويطلقوا بأقوالهم، ويثبِّتوا الأيدي في الأملاك والفروج، وينزعوا بقضاياهم, فإنهم أمناء الله في فصل ما يقضون، وبثّ ما يبثون4، وعن كتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- يوردون ويصدّون، وقد قال الله -عز وجل: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} 5.
وأن يتوخَّى بمثل هذه المعاملة عمَّال الخراج في استيفاء حقوق ما استعمِلُوا عليه، واستنظاف بقاياهم فيه، والرياضة لمن تسوء طاعته من معامليهم، وإحضارهم طائعين أو كارهين بين أيديهم، فمن آداب الله تعالى للعبد الذي يحقّ عليه أن يتخذها, ويجعلها للرضا عنه سببًا قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} 6.
وأمره أن يجلس للرعيِّة جلوسًا عامًّا، وينظر في مظالمها نظرًا تامًّا، يساوي في الحق بين خاصِّها وعامِّها، ويوازي في المجالس بين عزيزها وذليلها، وينصف المظلوم من