إلى المغاوير، وتلاقت الرياح بالأعاصير، وكان الطعن بينهم عناقًا، واللبث وفاقًا، وسبق ألم الموت ألم الجراح، ونفذت غير مخضَّبةٍ لسرعتها أسنَّة الرماح، وحصل القوم في القبضة، وذمَّوا عقبى النهضة، وجيء بالأسرى مقرنين في الأصفاد، موقنين أن رءوسهم عواري على تلك الأجساد، ولو استطاع رأس أحدهم أن ينكر عنقه لأنكره، ولا يود -وهو المعظم- أن يقال ما أعظمه, بل يقال ما أحقره، وتصرفت أيدي المسلمين في القتل والنهاب، وكان للسيف رقاب, وللسبي رقاب".

في هذا الفصل معان كثيرة مستحسنة، ومنها ما أخذ من شعر المتنبي، كقوله:

سحابٌ من العقبان ترجف تحتها ... سحابٌ إذا استسقت سقتها صوارمه1

وكقوله:

واستعار الحديد لونًا وألقى ... لونه في ذوائب الأطفال2

ومن ذلك ما ذكرته في وصف المسلوبين في فصل من جملة كتاب يتضمَّن البشرى بهزيمة الكفار، وهو:

"فسلبوا وعاضتهم الدماء عن اللباس، فهم في صورة عارٍ وزيهم زي كاس، وما أسرع ما خيط لهم لباسها المُحْمَرَّ، غير أنه لم يجب عليهم ولم يزرّ، وما لبسوه حتى لبس الإسلام شعار النصر الباقي على الدهر, وهو شعار نسجه السنان الخارق، لا الصنع الحاذق، ولم يغب عن لابسه إلّا ريثما غابت البيض في الطلى والهام3، وألف بين ألف الخط واللام".

وهذه معان حسنة رائقة، ومنها معنى واحد مأخوذ من شعر البحتري، وهو:

سلبوا وأشرقت الدماء عليهم ... محمرَّةً فكأنهم لم يلبسوا4

طور بواسطة نورين ميديا © 2015