فأمَّا ما يتَّسع المجال في نثره فكقول أبي الطيب المتنبي:

لا تعذُل المشتاق في أشواقه ... حتى يكون حشاك في أحشائه1

وقد نثرت هذا المعنى، فمن ذلك قولي: "لا تعذل المحب فيما يهواه، حتى تطوي القلب على ما طواه"، ومن ذلك وجه آخر، وهو: "إذا اختلفت العينان في النظر, فالعذل ضرب من الهذر".

ومن هذا الباب قول أبي الطيب المتنبي أيضًا:

إنَّ القتيل مضرَّجًا بدموعه ... مثل القتيل مضرَّجًا بدمائه2

أخذت هذا المعنى فنثرته، فمن ذلك قولي: "القتيل بسيف العيون، كالقتيل بسيف المنون، غير أن ذلك لا يجرد من غمده، ولا يقاد صاحبه بعمده"، فزدت على المعنى الذي تضمنه البيت، وغيرت اللفظ، ومن ذلك وجه آخر، وهو: "دمع المحب ودم القتيل متفقان في التشبيه والتمثيل، ولا تجد بينهما بونًا، إلّا أنهما يختلفان لونًا"، وهذا أحسن من الأول.

وأمَّا ما يضيق فيه المجال، فيعسر على الناثر تبديل ألفاظه, فكقول أبي تمام:

تردَّى ثياب الموت حمرًا فما أتى ... لها الليل إلّا وهي من سندسٍ خضر3

وقول أبي الطيب المتنبي:

وكان بها مثل الجنون فأصبحت ... ومن جثث القتلى عليها تمائم4

وأمثال هذا لا يأتي إلّا قليلًا، وسببه أن المعنى ينحصر في مقصد من المقاصد حتى لا يكاد يأتي إلّا فذًّا، كهذين البيتين, ألَا تَرَى أن أبا تَمَّام قصد المؤاخاة في ذكر لوني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015