امْرَأَةً وَزَوَّجَ ابْنَتَهَا مِنْ ابْنِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ بِنِكَاحِ الْأُمِّ تَحْرُمُ الْأُمُّ هِيَ عَلَى ابْنِهِ، فَأَمَّا أُمُّهَا وَابْنَتُهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ لَا عَلَى ابْنِهِ فَلِهَذَا جَازَ لِابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا أَوْ ابْنَتَهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ
(قَالَ): وَبَلَغَنَا «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَزَوَّجَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَهِيَ صَغِيرَةٌ بِنْتُ سِتَّةِ سِنِينَ وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا» فَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ بِتَزْوِيجِ الْآبَاءِ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يُزَوَّجُ الصَّغِيرُ وَالصَّغِيرَةُ حَتَّى يَبْلُغَا لِقَوْلِهِ {حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] فَلَوْ جَازَ التَّزْوِيجُ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا فَائِدَةٌ، وَلِأَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ عَلَى الصَّغِيرَةِ لِحَاجَةِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ حَتَّى إنَّ فِيمَا لَا تَتَحَقَّقُ فِيهِ الْحَاجَةُ لَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ كَالتَّبَرُّعَاتِ، وَلَا حَاجَةَ بِهِمَا إلَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ طَبْعًا هُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَشَرْعًا النَّسْلُ وَالصِّغَرُ يُنَافِيهِمَا، ثُمَّ هَذَا الْعَقْدُ يُعْقَدُ لِلْعُمُرِ وَتَلْزَمُهُمَا أَحْكَامُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يُلْزِمَهُمَا ذَلِكَ إذْ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَحُجَّتُنَا قَوْله تَعَالَى {وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى عِدَّةَ الصَّغِيرَةِ، وَسَبَبُ الْعِدَّةِ شَرْعًا هُوَ النِّكَاحُ، وَذَلِكَ دَلِيلُ تَصَوُّرِ نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] الِاحْتِلَامُ، ثُمَّ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - نَصٌّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْآثَارِ فَإِنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ تَزَوَّجَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَوْمَ وُلِدَتْ، وَقَالَ: إنْ مِتُّ فَهِيَ خَيْرُ وَرَثَتِي، وَإِنْ عِشْتَ فَهِيَ بِنْتُ الزُّبَيْرِ، وَزَوَّجَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِنْتًا لَهُ صَغِيرَةً مِنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَزَوَّجَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِنْتَ أَخِيهِ ابْنَ أُخْتِهِ وَهُمَا صَغِيرَانِ وَوَهَبَ رَجُلٌ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ فَأَجَازَ ذَلِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَزَوَّجَتْ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِنْتًا لَهَا صَغِيرَةً ابْنًا لِلْمُسَيِّبِ بْنِ نُخْبَةَ فَأَجَازَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَكِنْ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ أَصَمَّ لَمْ يَسْمَعْ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَصَالِحِ وَضْعًا فِي حَقِّ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ جَمِيعًا، وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَغْرَاضٍ وَمَقَاصِدَ لَا يَتَوَفَّرُ ذَلِكَ إلَّا بَيْنَ الْأَكْفَاءِ.
وَالْكُفْءُ لَا يَتَّفِقُ فِي