وَأَلْصَقْتُ الْعَتَبَةُ بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا، وَبَابًا غَرْبِيًّا، وَلَئِنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ لَا فَعَلْنَ ذَلِكَ فَلَمْ يَعِشْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، وَلَمْ يَتَفَرَّغْ لِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - حَتَّى كَانَ زَمَنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَانَ سَمِعَ الْحَدِيثَ فِيهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَأَظْهَرَ قَوَاعِدَ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه، وَبَنَى الْبَيْتَ عَلَى قَوَاعِدِ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه بِمَحْضَرٍ مِنْ النَّاسِ، وَأَدْخَلَ الْحَطِيمَ فِي الْبَيْتِ فَلَمَّا قُتِلَ كَرِهَ الْحَجَّاجُ أَنْ يَكُونَ بِنَاءُ الْبَيْتِ عَلَى مَا فَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَنَقَضَ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ، وَأَعَادَهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحَطِيمَ مِنْ الْبَيْتِ فَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَطُوفَ مِنْ وَرَاءِ الْحَطِيمِ وَلَا يُقَالُ لَوْ اسْتَقْبَلَ الْحَطِيمَ فِي الصَّلَاةِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ كَانَ الْحَطِيمُ مِنْ الْبَيْتِ لَجَازَتْ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْحَطِيمِ مِنْ الْبَيْتِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَفَرْضِيَّةُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالنَّصِّ فَلَا يَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي الطَّوَافِ وَالصَّلَاةِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعَمَلَ، وَلَا يُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ.
(قَالَ) ثُمَّ ائْتِ الْمَقَامَ فَصَلِّ عِنْدَهُ رَكْعَتَيْنِ أَوْ حَيْثُمَا تَيَسَّرَ عَلَيْك مِنْ الْمَسْجِدِ هَكَذَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الْمَقَامَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ».
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ صَلَّيْت فِي مَقَامِ إبْرَاهِيمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ»، وَهَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّوَافِ وَاجِبٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، وَلْيُصَلِّ الطَّائِفُ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ»، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَسِيَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ حِينَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ فَلَمَّا كَانَ بِذِي طُوًى صَلَّاهُمَا، وَقَالَ رَكْعَتَانِ مَكَانَ رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ أَوْ حَيْثُ تَيَسَّرَ عَلَيْك مِنْ الْمَسْجِدِ، وَمُرَادُهُ أَنَّ الزِّحَامَ يَكْثُرُ عِنْدَ الْمَقَامِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ لِذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْمَسْجِدَ كُلَّهُ مَوْضِعُ الصَّلَاةِ فَيُصَلِّي حَيْثُ تَيَسَّرَ عَلَيْهِ.
(قَالَ) فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْهَا فَعُدْ إلَى الْحَجَرِ فَاسْتَلِمْهُ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَاسْتَقْبِلْ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ وَالْأَصْلُ إنْ كَانَ كُلُّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ يَعُودُ إلَى اسْتِلَامِ الْحَجَرِ فِيهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَكُلُّ طَوَافٍ لَيْسَ بَعْدَهُ سَعْيٌ لَا يَعُودُ إلَى اسْتِلَامِ الْحَجَرِ فِيهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ سَعْيٌ عِبَادَةٌ قَدْ تَمَّ فَرَاغُهُ مِنْهَا حِينَ فَرَغَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَا مَعْنَى لِلْعَوْدِ إلَى مَا بِهِ بَدْءُ الطَّوَافِ فَأَمَّا الطَّوَافُ الَّذِي بَعْدَهُ سَعْيٌ فَكَمَا يَفْتَتِحُ طَوَافَهُ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ فَكَذَلِكَ السَّعْيُ يُفْتَتَحُ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ فَلِهَذَا يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ فَيَسْتَلِمُهُ
(قَالَ) ثُمَّ اُخْرُجْ