ذَلِكَ لِلْإِشْفَاقِ مَخَافَةَ السَّرَقِ لِيَرَى الْإِنْسَانُ أَيْنَ يَنْزِلُ، وَيَضَعُ رَحْلَهُ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي رَمَضَانَ وَجَدَ النَّاسَ يُصَلُّونَ التَّرَاوِيحَ فَصَلَّى مَعَهُمْ.
وَعَنْ عَائِشَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَنَّهُمْ كَانُوا يَدْخُلُونَ مَكَّةَ لَيْلًا
(قَالَ) فَادْخُلْ الْمَسْجِدَ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ زِيَارَةَ الْبَيْتِ، وَالْبَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ.
وَرَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمَّا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى الْبَيْتِ قَالَ: اللَّهُمَّ زِدْ بَيْتَك تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَبِرًّا وَمَهَابَةً». وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ تَعْيِينَ شَيْءٍ مِنْ الْأَدْعِيَةِ فِي مَشَاهِدِ الْحَجِّ لِمَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - التَّوْقِيتُ فِي الدُّعَاءِ يُذْهِبُ رِقَّةَ الْقَلْبِ فَاسْتَحَبُّوا أَنْ يَدْعُوَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا يَحْضُرُهُ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى الْخُشُوعِ، وَإِنْ تَبَرَّكَ بِمَا نُقِلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ حَسَنٌ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ إذَا لَقِيَ الْبَيْتَ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ.
وَعَنْ عَطَاءٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا لَقِيَ الْبَيْتَ يَقُولُ أَعُوذُ بِرَبِّ الْبَيْتِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْفَقْرِ وَمِنْ ضِيقِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ».
(قَالَ) ثُمَّ ابْدَأْ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَاسْتَلِمْهُ هَكَذَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَاسْتَلَمَهُ».
وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، وَقَالَ رَأَيْت أَبَا الْقَاسِمِ بِك حَفِيًّا».
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَ الْحَجَرَ، وَوَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ، وَبَكَى طَوِيلًا، ثُمَّ نَظَرَ فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ يَا عُمَرُ هُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ». وَأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي خِلَافَتِهِ لَمَّا أَتَى الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَقَفَ فَقَالَ: أَمَا إنِّي أَعْلَمُ إنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَلَمَك مَا اسْتَلَمْتُك فَبَلَغَتْ مَقَالَتُهُ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: أَمَا إنَّ الْحَجَرَ يَنْفَعُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَا مَنْفَعَتُهُ يَا خَتْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَخَذَ الذُّرِّيَّةَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَرَّرَهُمْ بِقَوْلِهِ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا: بَلَى، أَوْدَعَ إقْرَارَهُمْ الْحَجَرَ فَمَنْ يَسْتَلِمْ الْحَجَرَ فَهُوَ يُجَدِّدُ الْعَهْدَ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ، وَالْحَجَرُ يَشْهَدُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَاسْتِلَامُ الْحَجَرِ لِلطَّوَافِ بِمَنْزِلَةِ التَّكْبِيرِ لِلصَّلَوَاتِ فَيَبْدَأُ بِهِ طَوَافَهُ.
(قَالَ) إنْ اسْتَطَعْت مِنْ غَيْرِ أَنْ تُؤْذِيَ مُسْلِمًا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّكَ رَجُلٌ أَيِّدٌ تُؤْذِي الضَّعِيفَ فَلَا تُزَاحِمْ النَّاسَ عَلَى الْحَجَرِ، وَلَكِنْ إنْ وَجَدْت فُرْجَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ وَكَبِّرْ وَهَلِّلْ»؛ وَلِأَنَّ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ سُنَّةٌ، وَالتَّحَرُّزَ عَنْ أَذَى الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُؤْذِيَ