بَيْنَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ أَوْ مُتَقَارِبِي الْحَالِ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُشْرِكَةِ وَالْمُسْلِمِ فَكَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ إلَى أَنْ يُؤْمِنَ.
(قَالَ ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] فَأَحَلَّ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَتَرَكَ بَاقِي أَهْلِ الْكُفْرِ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ هَذَا الْكَلَامُ مُخْتَلٌّ، فَإِنَّ اسْمَ الْمُشْرِكَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْكِتَابِيَّةَ حَتَّى يُقَالَ إنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ هَذِهِ الْحُرْمَةِ بِالنَّصِّ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ؟ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: 1]، وَإِنَّمَا يُعْطَفُ الشَّيْءُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الْكِتَابُ صَحِيحٌ، فَإِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ فِي الْحَقِيقَةِ مُشْرِكُونَ وَإِنْ كَانُوا يَدَّعُونَ التَّوْحِيدَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] وَعَطْفُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ مُشْرِكِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَاَلَّذِينَ أَشْرَكُوا} [الحج: 17] فَقَدْ عَطَفَ أَهْلَ الشِّرْكِ عَلَى الْمَجُوسِ وَالْمَجُوسُ مُشْرِكُونَ تَتَنَاوَلُهُمْ الْجِهَةُ الثَّابِتَةُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] فَعَرَفْنَا أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ خُصُّوا مِنْ هَذِهِ الْحُرْمَةِ بِالنَّصِّ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَخُصُّ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْ هَذِهِ الْحُرْمَةِ وَكَانَ يَقُولُ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] اللَّاتِي أَسْلَمْنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِهَذَا فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لَا يَبْقَى لِلْآيَةِ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمُسْلِمَةِ حَلَالٌ لِلْمُسْلِمِ سَوَاءٌ كَانَتْ كِتَابِيَّةً وَأَسْلَمَتْ أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] الْعَفَائِفُ مِنْهُنَّ أَوْ الْحَرَائِرُ مِنْهُنَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
وَهُوَ مَا نَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَمَا حَرَّمَتْهُ السُّنَّةُ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَأَمَّا مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَتَحْرِيمُ الْأُمِّ وَحَرَّمَتْ السُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ أُمَّ الْأُمِّ وَأُمَّ الْأَبِ، وَإِنْ بَعُدَتْ مِنْ قِبَلِ الْأُمَّهَاتِ كَانَتْ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْآبَاءِ وَزَعَمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ ثُبُوتَ حُرْمَةِ الْجَدَّاتِ بِالنَّصِّ أَيْضًا فَاسْمُ الْأُمِّ يَتَنَاوَلُ الْجَدَّاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 27] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجَدَّةَ أُمٌّ، وَإِنَّ الْجَوَابَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَصَحُّ، فَإِنَّ اسْمَ الْأُمِّ يَتَنَاوَلُ الْجَدَّةَ مَجَازًا حَتَّى يَنْفِيَ عَنْهَا هَذَا الِاسْمَ بِإِثْبَاتِ غَيْرِهِ فَيُقَالُ: إنَّهَا جَدَّةٌ وَلَيْسَتْ بِأُمٍّ، وَلَا