- رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ هَلْ: يَكُونُ عِنْدَهُ بَعْدَ قَضَاءِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَعْنِي فِي الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَيَّ بِالزَّوْجَيْنِ فَأَتَى بِهِمَا فَسَارَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّهُ هَلْ تُعْجِبُك الْمَرْأَةُ الَّتِي دَخَلْت بِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ ثُمَّ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: طَلِّقْ امْرَأَتَك تَطْلِيقَةً فَطَلَّقَهَا ثُمَّ زَوَّجَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمَرْأَةَ الَّتِي دَخَلَ بِهَا وَقَالَ قُومَا إلَى أَهْلِكُمَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ سُفْيَانُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْت؟ فَقَالَ: أَحْسَنَ الْوُجُوهِ وَأَقْرَبَهَا إلَى الْأُلْفَةِ وَأَبْعَدَهَا عَنْ الْعَدَاوَةِ أَرَأَيْت لَوْ صَبَرَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ أَمَا كَانَ يَبْقَى فِي قَلْبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ بِدُخُولِ أَخِيهِ بِزَوْجَتِهِ؟ وَلَكِنِّي أَمَرْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ دُخُولٌ، وَلَا خَلْوَةٌ، وَلَا عِدَّةٌ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِمَّنْ وَطِئَهَا وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْهُ وَعِدَّتُهُ لَا تَمْنَعُ نِكَاحَهُ وَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ زَوْجَتِهِ وَلَيْسَ فِي قَلْبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ فَعَجِبُوا مِنْ فِطْنَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَحُسْنِ تَأَمُّلِهِ، وَفِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ بَيَانُ فِقْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي خَتَمَ بِهَا الْكِتَابَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
كِتَابُ الْكَسْبِ (قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَإِذْ قَدْ أَجَبْتُكُمْ إلَى مَا سَأَلْتُمُونِي مِنْ إمْلَاءِ شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَلَى حَسَبِ الطَّاقَةِ، وَقَدْرِ الْفَاقَةِ بِالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ وَالْإِشَارَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي تَصْنِيفَاتِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِإِظْهَارِ وَجْهِ التَّأْثِيرِ وَبَيَانِ طَرِيقِ التَّقْدِيرِ رَأَيْت أَنَّ أُلْحِقَ بِهِ إمْلَاءَ شَرْحِ كِتَابِ الْكَسْبِ الَّذِي يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ تَصْنِيفَاتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ ذَلِكَ أَبُو حَفْصٍ، وَلَا أَبُو سُلَيْمَانَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَاكِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُخْتَصَرِ، وَفِيهِ مِنْ الْعُلُومِ مَا لَا يَسَعُ جَهْلُهَا، وَلَا التَّخَلُّفُ عَنْ عَمَلِهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا حَثُّ الْمُفْلِسِينَ عَلَى مُشَارَكَةِ الْمُكْتَسِبِينَ فِي الْكَسْبِ لِأَنْفُسِهِمْ وَالتَّنَاوُلُ مِنْ كَدِّ يَدِهِمْ لَكَانَ يَحِقُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ إظْهَارُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيَّنَ بَعْضَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْإِيثَارِ فِيهِ فَنَذْكُرُ مَا ذَكَرَهُ تَبَرُّكًا بِالْمَسْمُوعِ مِنْهُ وَنُلْحِقُ بِهِ مَا تَكَلَّمَ فِيهِ أَهْلُ الْأُصُولِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَمَا يَجُودُ بِهِ الْخَاطِرُ مِنْ الْمَعَانِي وَالْإِشَارَاتِ فَنَقُولُ الِاكْتِسَابُ فِي عُرْفِ اللِّسَانِ تَحْصِيلُ الْمَالِ بِمَا حَلَّ مِنْ الْأَسْبَابِ وَاللَّفْظُ فِي الْحَقِيقَةِ يُسْتَعْمَلُ