وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ حُرَّةٌ لَيْسَ بِيَمِينٍ ثُمَّ قَوْلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مِثْلِ هَذَا إنَّمَا يُرَادُ بِهِ التَّحْقِيقُ وَلَا يُرَادُ التَّعْلِيقُ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ حُرَّةٌ ذِكْرُ وَصْفٍ فَيَلِيقُ بِهِ مَعْنَى التَّحْقِيقِ وَلَا يَلِيقُ بِهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: قَوْلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَأْثِيرُهُ فِي إخْرَاجِ الْكَلَامِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَزِيمَةً وَالْإِيقَاعُ فِي هَذَا وَالتَّعْلِيقُ سَوَاءٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24].
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِنَثْرِ السُّكَّرِ وَالْجَوْزِ اللَّوْزِ فِي الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ وَأَخَذَ ذَلِكَ إذَا أَذِنَ لَكَ أَهْلُهُ فِيهِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ وَبِهِ نَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَكْرَهُ نَثْرَ ذَلِكَ وَأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ شَيْءٌ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَالْقِيَاسُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى قَالَ: هَذَا تَمْلِيكٌ مِنْ الْمَجْهُولِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَنْ يَأْخُذُ وَأَيُّ مِقْدَارٍ يَأْخُذُ وَالتَّمْلِيكُ مِنْ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ.
وَإِذَا بَطَلَ التَّمْلِيكُ كَانَ النَّثْرُ تَضْيِيعًا لِلْمَالِ وَلَكِنْ تَرَكْنَا هَذَا الْقِيَاسَ بِمَا رَوَيْنَا فِيهِ مِنْ الْآثَارِ، وَفِي التَّعَامُلِ الظَّاهِرِ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْقَلْ مِنْ أَحَدٍ أَنَّهُ تَحَرَّزَ عَنْ نَثْرِ ذَلِكَ أَوْ عَنْ تَحَرُّزِ أَخْذِهِ وَفِي الْأَخْذِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ فِي هَذَا إيقَاعُ النَّاسِ فِي الْحَرَجِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَرْكِ الْعُسْرِ لِلْيُسْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وَعَلَى هَذَا قُلْنَا لَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ مِنْ مَاءِ السِّقَايَةِ فَقَدْ يَكُونُ الْوَاضِعُ عِنْدَ الْوَضْعِ آذِنًا لِلنَّاسِ بِالتَّنَاوُلِ وَلَا بَأْسَ بِالتَّنَاوُلِ مِمَّا لَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ فِيهِ الشُّحُّ وَالظِّنَّةُ كَالثَّوْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ غَرَسَ الشَّجَرَةَ عَلَى ضِفَّةِ نَهْرٍ فِي الطَّرِيقِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَذِنَ لِلنَّاسِ فِي الْإِصَابَةِ مِنْ ثَمَرِهَا فِيمَا لَا يَجْرِي فِيهِ الشُّحُّ بَيْنَ النَّاسِ فَيَجُوزُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الظَّاهِرِ وَكَذَلِكَ الْتِقَاطُ النَّوَى وَقُشُورِ الرُّمَّانِ وَقَدْ بَيَّنَّا بَعْضَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ قَالَ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكْرَهُ النَّبِيذَ فِي الْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِي الْبَابِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِوُرُودِ النَّسْخِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ الشُّرْبِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ فَاشْرَبُوا فِي الظُّرُوفِ وَلَا تَشْرَبُوا سُكْرًا» وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنَّ الظَّرْفَ لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ فَلِثُبُوتِ النَّسْخِ قُلْنَا: لَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ فِي هَذِهِ الْأَوَانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اعْلَمْ بِأَنَّ عِلْمَ الشُّرُوطِ مِنْ آكَدِ الْعُلُومِ، وَأَعْظَمِهَا صَنْعَةً فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَمَرَ