ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ شُهُودٍ عَلَى الْعَيْبِ حَتَّى يَنْقُدَ الثَّمَنَ لِأَنَّ قَبُولَ الْبَيِّنَةِ يَنْبَنِي عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَإِنَّمَا تَصِحُّ الدَّعْوَى مِنْ الْمُشْتَرِي عِنْدَ وُجُودِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ يُطَالِبُ الْبَائِعَ بِرَدِّ الثَّمَنِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ إنْقَادِ الثَّمَنِ وَبِدُونِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ.

وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الرَّدَّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ كَالرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ؛ إذْ الرَّدُّ بِحُجَّةِ الْبَيِّنَةِ مُعْتَبَرٌ بِالرَّدِّ بِالْإِقْرَارِ، وَلَوْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْعَيْبِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَيْبِ، قَوْلُهُ بِأَنَّ دَعْوَاهُ لَا يَصِحُّ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُطَالِبُ الْبَائِعَ بِتَسْلِيمِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَذَلِكَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهُ بِالْعَقْدِ فَيَصِحُّ مِنْهُ دَعْوَى الْمُطَالَبَةِ بِالتَّسْلِيمِ ثُمَّ إذَا تَحَقَّقَ عَجْزُ الْبَائِعِ عَنْ تَسْلِيمِهِ رُدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ، ثُمَّ هُوَ يَدَّعِي بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ عَنْ الثَّمَنِ بَعْدَ رَدِّ الْعَيْنِ عَلَيْهِ، وَدَعْوَى سَبَبِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الدُّيُونِ دَعْوَى صَحِيحَةٌ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى ذَلِكَ وَالْعَقْدُ لَازِمٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ يَدَّعِي انْعِدَامَ لُزُومِهِ فِي جَانِبِهِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ وَهَذِهِ دَعْوَى صَحِيحَةٌ مِنْهُ كَدَعْوَى شَرْطِ الْخِيَارِ.

وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ عَلَى ابْنِهِ وَهُوَ كَبِيرٌ دَارًا أَوْ مَتَاعًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا عُذْرَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى بَيْعُهُ جَائِزٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيكَ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ أَطْيَبَ مَا يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِنَّ وَلَدَهُ لَمِنْ كَسْبِهِ فَكُلُوا مِنْ كَسْبِ أَوْلَادِكُمْ» فَفِي الْحَدِيثَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَالَ الْوَلَدِ مَمْلُوكٌ لِلْوَالِدِ بِمَنْزِلَةِ مَالِ نَفْسِهِ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ، فَفِي الْحَقِيقَةِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى هَذَا فَإِنَّ عِنْدَهُ مَالَ الْوَلَدِ فِي حُكْمِ الْمَمْلُوكِ لِلْوَالِدِ وَلِهَذَا قَالَ: لَهُ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةَ ابْنِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، وَعِنْدَنَا لَا مِلْكَ لَهُ فِي مَالِ وَلَدِهِ وَلَا حَقَّ مِلْكٍ لِأَنَّ الْكَسْبَ إنَّمَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْكَاسِبِ وَلَيْسَ لَهُ فِي وَلَدِهِ مِلْكٌ فَكَذَلِكَ فِي كَسْبِ وَلَدِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَلَدَ مَالِكٌ لِكَسْبِهِ حَقِيقَةً حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ مِنْ الْوَطْءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيَنْفُذُ فِيهِ إعْتَاقُهُ، وَإِنَّمَا يَخْلُفُ الْكَاسِبَ غَيْرُهُ فِي الْمِلْكِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ.

فَأَمَّا إذَا كَانَ هُوَ مِنْ أَهْلِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لَا يَمْلِكُ غَيْرُهُ الْكَسْبَ عَلَى وَجْهِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ وَلَا يَمْلِكُهُ ابْتِدَاءً لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً يَسْتَدْعِي سَبَبًا لَهُ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ يَتَصَرَّفُ فِي حَالِ ضَرِّهِ بِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْوَلَدِ لِأَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا عَنْ التَّصَرُّفِ وَالنَّظَرِ وَقَدْ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى بِبُلُوغِهِ فَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي نَفْسِهِ بِالتَّزْوِيجِ كَانَ يَنْفُذُ قَبْلَ بُلُوغِهِ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ لَا يَنْفُذُ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِانْعِدَامِ الْحَاجَةِ فَكَذَلِكَ فِي مَالِهِ.

وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ مَتَاعًا لِرَجُلٍ وَهُوَ حَاضِرٌ سَاكِتٌ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى سُكُوتُهُ إقْرَارٌ بِالْبَيْعِ أَيْ هُوَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015