وَثُلُثٍ بِاعْتِبَارِ نَقْضِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِلْعَبْدِ بِالْبَيْعِ إلَّا أَنَّ مِقْدَارَ الْمِائَةِ دَيْنٌ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَهُوَ ثَمَنُ الْعَبْدِ فَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِقَدْرِهِ وَيُؤَدِّي ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا فَيَسْلَمُ لِلْوَرَثَةِ الْعَبْدُ وَقِيمَتُهُ ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَقَدْ نَفَّذْنَا الْهِبَةَ فِي مِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَثُلُثَيْنِ مِثْلِ نِصْفِ مَا سَلِمَ لِلْوَرَثَةِ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) إمْلَاءً فِي كِتَابِ الدَّوْرِ.
قَالَ: وَإِذَا جَرَحَ الْعَبْدُ رَجُلًا فَعَفَا عَنْهُ الْمَجْرُوحُ فِي صِحَّتِهِ، أَوْ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا فَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ عَمْدًا فَالْعَفْوُ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِصَاصُ وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ وَإِسْقَاطُ الْمَرِيضِ حَقَّهُ فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الدِّيَاتِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ خَطَأً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حِينَ عَفَا جَازَ الْعَفْوُ فِي الْكُلِّ أَيْضًا لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ مَا لَمْ يَصِرْ صَاحِبَ فِرَاشٍ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ، وَهَذَا تَصَرُّفٌ بَعْدَهُ فِي الْحَالِ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ حَالُهُ حِينَ نَفَذَ التَّصَرُّفُ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ حِينَ عَفَا جَازَ الْعَفْوُ مِنْ ثُلُثِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْجِنَايَةِ الْخَطَأِ الدَّفْعُ، أَوْ الْفِدَاءُ فَعَفْوُهُ يَكُونُ إسْقَاطًا بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ، وَذَلِكَ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ إذَا بَاشَرَهُ فِي مَرَضِهِ وَبَعْدَ مَا صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ فَيَكُونُ عَفْوُهُ مِنْ الثُّلُثِ، ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْعَبْدِ مِثْلَ الدِّيَةِ عَشَرَةَ آلَافٍ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ.
فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدِّيَةِ فَالْعَفْوُ صَحِيحٌ فِي ثُلُثِهِ وَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ ثُلُثَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ وَلَا يَقَعُ الدَّوْرُ هُنَا سَوَاءٌ اخْتَارَ الدَّفْعَ، أَوْ الْفِدَاءَ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ لَمْ يَقَعْ الدَّوْرُ عِنْدَ اخْتِيَارِ الدَّفْعِ وَيَقَعُ الدَّوْرُ عِنْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ لِأَنَّ وُقُوعَ الدَّوْرِ بِزِيَادَةِ مَالِ الْمَيِّتِ، وَإِنَّمَا يُحْسَبُ مَالُ الْمَيِّتِ فِي الِابْتِدَاءِ مَا هُوَ الْأَقَلُّ لِأَنَّ مَوْلَى الْعَبْدِ الْجَانِي يَتَخَلَّصُ بِدَفْعِ الْأَقَلِّ فَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ أَنَّهُ مَالُ الْمَيِّتِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَظْهَرُ بِاخْتِيَارِهِ الدَّفْعَ. فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَظُهُورُ الزِّيَادَةِ عِنْدَ اخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ لَا عِنْدَ اخْتِيَارِهِ الدَّفْعَ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ فَظُهُورُ الزِّيَادَةِ عِنْدَ اخْتِيَارِ الدَّفْعِ لَا عِنْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ، ثُمَّ جُمْلَةُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَسَائِلِ أَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ إمَّا أَنْ تَكُونَ أَلْفًا أَوْ أَلْفَيْنِ