الْحِفْظِ وَمَنْعِ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْحِفْظِ وَحِفْظُ الدَّيْنِ أَيْسَرُ مِنْ حِفْظِ الْعَيْنِ كَمَا إذَا أَوْصَى الْأَبُ فِي حَقِّ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ الْحِفْظُ، وَهَذَا لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحِفْظَ مِنْ حَقِّ الْمَيِّتِ رُبَّمَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَحْتَاجُ إلَى قَضَائِهِ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَالْوَصِيُّ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِيمَا هُوَ مِنْ حَقِّهِ وَالثَّانِي أَنَّ وَصِيَّ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ، وَلِلْأُمِّ وِلَايَةُ الْحِفْظِ عَلَى وَلَدِهَا الصَّغِيرِ فِي مَالِهِ كَمَا أَنَّ لَهَا وِلَايَةَ حِفْظِ نَفْسِهِ فَكَذَلِكَ لِوَصِيِّ الْأُمِّ ذَلِكَ.
وَلَوْ أَنَّ وَصِيَّ الْأَبِ بَاعَ رَقِيقًا أَوْ شَيْئًا مِنْ الْمِيرَاثِ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ جَازَ بَيْعُهُ فِيمَا سِوَى الْعَقَارِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْعَقَارِ فَكَذَلِكَ وَصِيُّ الْأُمِّ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ، وَمَنْ ذَكَرنَا مِنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ الْغَائِبِ وَلَا يَتَّجِرُ وَصِيُّ الْأَبِ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ تَصَرُّفٌ دُونَ الْحِفْظِ وَلَيْسَ لَهُ سِوَى الْحِفْظِ فِي حَقِّ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ، فَكَذَلِكَ وَصِيُّ الْأُمِّ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ وَكُلِّ شَيْءٍ وَرِثَهُ الْكَبِيرُ الْغَائِبُ مِنْ غَيْرِ ابْنِهِ فَلَيْسَ لِوَصِيِّ أَبِيهِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الْحِفْظِ لَهُ فِي الْمَوْرُوثِ عَنْ الْأَبِ لِحَقِّ الْأَبِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِيمَا وَرِثَهُ الْكَبِيرُ مِنْ غَيْرِ الْأَبِ فَكَذَلِكَ وَصِيُّ الْأُمِّ، وَأَمَّا وَصِيُّ الْأَبِ عَلَى الْوَلَدِ الصَّغِيرِ، فَأَمْرُهُ عَلَيْهِ جَائِزٌ فِيمَا بَاعَ وَاشْتَرَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ، وَلِلْأَبِ وِلَايَةٌ مُطْلَقَةٌ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَتَثْبُتُ تِلْكَ الْوِلَايَةُ لِوَصِيِّهِ الَّذِي هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(قَالَ) الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنْ وَالِدَيْهِ: اعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ مَسَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ وَتَرْتِيبِهَا مِنْ عَمَلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأَمَّا أَصْلُ التَّخْرِيجِ وَالتَّفْرِيعِ فَمِنْ صَنْعَةِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، وَقَدْ كَانَ لَهُ مِنْ الْبَرَاعَةِ فِي عِلْمِ الْحِسَابِ مَا لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَكِنَّهُ كَانَ شَكِسَ الْخُلُقَ فَكَانَ لَا يُؤَلِّفُ مَعَهُ لِصِغَرِهِ، وَكَانَ يَخْلُو فَيُصَنِّفُ ثُمَّ عَثَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى تَصْنِيفَاتِهِ سِرًّا فَانْتَسَخَ مِنْ ذَلِكَ مَا ظَهَرَ فِي بَعْضِ أَبْوَابِ الْجَامِعِ، وَأَكْثَرُ كُتُبِ الْحِسَابِ مِنْ تِلْكَ الْجُمْلَةِ خُصُوصًا هَذَا الْكِتَابَ، وَفِيهِ مِنْ دَقَائِقِ الْفِقْهِ وَالْحِسَابِ مَا لَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ فِي غَيْرِهِ ثُمَّ بَدَأَ الْكِتَابَ بِوَصِيَّةِ الرَّجُلِ بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَنَّ مَحَلَّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ شَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ» الْحَدِيثَ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُشْكِلِ الْآثَارِ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ صِحَّةَ هَذَا اللَّفْظِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ