إلَى بَعْضٍ إنَّ الشَّيْخَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ» وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي حَدِيثِهِ «أَنَّ الشَّابَّ قَالَ لَهُ: إنَّ دِينِي وَدِينَهُ وَاحِدٌ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِنَّ الشَّيْخَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ»، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى مَعْنَى تَعْرِيضِ الصَّوْمِ لِلْفَسَادِ وَالتَّجَاوُزِ عَنْ الْقُبْلَةِ إلَى غَيْرِهَا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ فَمَنْ رَتَعَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» وَعَلَى هَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ كَرِهَ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ لِلصَّائِمِ وَكَذَلِكَ بِأَنْ يُعَانِقَهَا وَهُمَا مُتَجَرِّدَانِ وَيَمَسَّ ظَاهِرُ فَرْجِهِ ظَاهِرَ فَرْجِهَا
(قَالَ): وَإِنْ اشْتَبَهَ شَهْرُ رَمَضَانَ عَلَى الْأَسِيرِ تَحَرَّى وَصَامَ شَهْرًا بِالتَّحَرِّي؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِصَوْمِ رَمَضَانَ وَطَرِيقُ الْوُصُولِ إلَيْهِ التَّحَرِّي عِنْدَ انْقِطَاعِ سَائِرِ الْأَدِلَّةِ كَأَمْرِ الْقِبْلَةِ فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ شَهْرَ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالتَّحَرِّي، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَامَ شَهْرًا قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الْعِبَادَةَ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهَا فَلَمْ تُجْزِهِ كَمَنْ صَلَّى قَبْلُ، وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْأُمِّ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرِ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرِ رَمَضَانَ جَازَ صَوْمُهُ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَامَ شَهْرًا بَعْدَهُ جَازَ بِشَرْطَيْنِ إكْمَالُ الْعِدَّةِ وَتَبْيِيتُ النِّيَّةِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ قَاضٍ لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِشُهُودِ الشَّهْرِ وَفِي الْقَضَاءِ يُعْتَبَرُ هَذَانِ الشَّرْطَانِ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَجُوزُ وَلَمْ يَنْوِ الْقَضَاءَ. قُلْنَا؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَهَذَا وَنِيَّةُ الْقَضَاءِ سَوَاءٌ فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَامَ شَوَّالَ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ لَا يَجُوزُ عَنْ الْقَضَاءِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَامَ ذِي الْحَجَّةِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَامَ شَهْرًا آخَرَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ شَيْءٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَمَضَانُ كَامِلًا، وَذَلِكَ الشَّهْرُ نَاقِصًا فَحِينَئِذٍ يَقْضِي يَوْمًا لِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ
(قَالَ): وَإِنْ صَامَ شَهْرَ رَمَضَانَ تَطَوُّعًا، وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ، أَوْ لَا يَعْلَمُ فَصَوْمُهُ عَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى فُصُولٍ أَحَدُهَا أَنَّ أَصْلَ النِّيَّةِ شَرْطٌ لِأَدَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَحُجَّتُهُ أَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي زَمَانِ رَمَضَانَ صَوْمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ مِعْيَارٌ لِلصَّوْمِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ إلَّا صَوْمٌ وَاحِدٌ وَمِنْ ضَرُورَةِ اسْتِحْقَاقِ الْفَرْضِ فِيهِ انْتِفَاءُ غَيْرِهِ فَمَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ مِنْ الْإِمْسَاكِ فِي هَذَا الْيَوْمِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِصَوْمِ الْفَرْضِ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَتَى بِهِ يَقَعُ مِنْ الْوَجْهِ الْمُسْتَحَقِّ، وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ وَهَبَ النِّصَابَ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ فَقِيرٍ جَازَ عَنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ.
(وَلَنَا) حَرْفَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ فِعْلٌ هُوَ عِبَادَةٌ وَالْعِبَادَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْإِخْلَاصِ وَالْعَزِيمَةِ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَعْمَالُ