لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَكَفَّارَةُ الْفِطْرِ عُقُوبَةٌ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْجَانِي قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهَرِ وَاَلَّذِي أَفْطَرَ، وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَغِبْ فَعَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا» وَفِيهِ حَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ حِينَ أَفْطَرَ مَعَ الصَّحَابَةِ يَوْمًا فَلَمَّا صَعِدَ الْمُؤَذِّنُ الْمِئْذَنَةَ قَالَ الشَّمْسُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ بَعَثْنَاك دَاعِيًا وَلَمْ نَبْعَثْك رَاعِيًا مَا تَجَانَفْنَا لِإِثْمٍ وَقَضَاءَ يَوْمٍ عَلَيْنَا يَسِيرٌ
(قَالَ): رَجُلٌ أَصْبَحَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ جُنُبًا فَصَوْمُهُ تَامٌّ إلَّا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يَعْتَمِدُونَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَهُ».
(وَلَنَا) قَوْله تَعَالَى {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] إلَى قَوْلِهِ {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضِ} [البقرة: 187]، وَإِذَا كَانَتْ الْمُبَاشَرَةُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ مُبَاحَةً فَالِاغْتِسَالُ يَكُونُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ضَرُورَةً وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِتْمَامِ الصَّوْمِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: إنِّي أَصْبَحْت جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصَّوْمَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَأَنَا رُبَّمَا أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصَّوْمَ فَقَالَ: لَسْت كَأَحَدِنَا فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَعْلَمَكُمْ بِمَا يَبْقَى». وَلَمَّا بَلَغَ عَائِشَةَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَتْ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يُتِمُّ صَوْمَهُ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ فَذُكِرَ قَوْلُهَا لِأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ: هِيَ أَعْلَمُ حَدَّثَنِي بِهِ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَانَ يَوْمئِذٍ مَيِّتًا ثُمَّ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ مَنْ أَصْبَحَ بِصِفَةٍ تُوجِبُ الْجَنَابَةَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُخَالِطًا أَهْلَهُ، وَإِنْ احْتَلَمَ نَهَارًا لَمْ يُفْطِرْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْقَيْءُ وَالْحِجَامَةُ وَالِاحْتِلَامُ»
(قَالَ): وَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ لَمْ يُفْطِرْ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الصَّوْمُ مِمَّا دَخَلَ، وَإِنْ تَقَيَّأَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَاءَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَمَنْ اسْتِقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ»؛ وَلِأَنَّ فِعْلَهُ يُفَوِّتُ رُكْنَ الصَّوْمِ، وَهُوَ الْإِمْسَاكُ فَفِي تَكَلُّفِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَعُودَ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ يَقُولُ كُلُّ مُفْطِرٍ غَيْرُ مَعْذُورٍ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَمْ يُفَصِّلْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ مَلِيءِ الْفَمِ، وَمَا دُونَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ مَا دُونَ مَلِيءِ الْفَمِ تَبَعٌ لِرِيقِهِ فَكَانَ قِيَاسَ مَا لَوْ تَجَشَّأَ وَمِلْءُ الْفَمِ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِرِيقِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ نَاقِضٌ