رَجُلٍ دَيْنًا فَقَالَ الرَّجُلُ عَبْدِي مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ شُرَيْحٌ: شَاهِدَا عَدْلٍ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِي فِي السُّوقِ وَيَبِيعُ بِعِلْمِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ فَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَنْكَرَ الْإِذْنَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَعَلَى مِنْ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْإِذْنَ أَنْ يُثْبِتَهُ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ عَنْ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الْإِذْنَ يُثْبِتُهُ بِالدَّلَالَةِ، وَأَنَّ مَنْ رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَلَمْ يَنْهَهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِهِ مَأْذُونًا بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَذَلِكَ اسْتِحْسَانٌ عِنْدَنَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَالْغُرُورِ عَنْ النَّاسِ.
، وَعَنْ أَبِي عَوْنٍ الثَّقَفِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يَكُونَ خَيَّاطًا وَأَذِنَ آخَرُ لِعَبْدِهِ أَنْ يَكُونَ صَبَّاغًا فَأَجَازَ شُرَيْحٌ عَلَى الْخَيَّاطِ ثَمَنُ الْإِبَرِ، وَالْخُيُوطِ وَأَجَازَ عَلَى الصَّبَّاغِ ثَمَنُ الْغَلِيِّ، وَالْعُصْفُرِ وَمَا كَانَ فِي عَمَلِهِ، وَفِيهِ دَلِيلُ أَنَّ مَبْنَى الْإِذْنِ عَلَى التَّعَدِّي، وَالِانْتِشَارِ، وَأَنَّ الْمَوْلَى، وَإِنْ خَصَّ نَوْعًا مِنْهُ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّى إلَى سَائِرِ الْأَنْوَاعِ لِاتِّصَالِ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ بِالْبَعْضِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمَوْلَى فَإِنَّ الصَّبَّاغَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا بِشِرَاءِ الصَّبْغِ، وَالْخَيَّاطَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا بِشِرَاءِ السِّلْكِ، وَالْإِبْرَةِ وَالْخُيُوطِ، ثُمَّ قَدْ لَا يَجِدُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ يُبَاعُ بِالنَّقْدِ لِيَشْتَرِيَهُ، وَإِنَّمَا يُبَاعُ ذَلِكَ بِالطَّعَامِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَشْتَرِيَ طَعَامًا لِيُعْطِيَهُ فِي ثَمَنِ ذَلِكَ وَرُبَّمَا يَشْتَرِي ذَلِكَ بِالدَّنَانِيرِ فَيَحْتَاجُ إلَى مُصَارَفَةِ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ لِيَحْصُلَ الثَّمَنُ فَعَرَفْنَا أَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى التَّعَدِّي، وَالِانْتِشَارِ فَيَتَعَدَّى الْإِذْنُ فِي نَوْعٍ إلَى سَائِرِ الْأَنْوَاعِ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَأْخُذُ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَيَقُولُ يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا كَانَ مِنْ تَوَابِعِ عَمَلِهِ خَاصَّةً وَعِنْدَنَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا كَانَ مِنْ تَوَابِعِ عَمَلِهِ، وَمَا اسْتَدَارَ فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ حَدَّثَنِي سَلْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ «أَهْدَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَبْدٌ قَبْلَ أَنْ يُكَاتَبَ فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدِيَّتَهُ فَأَكَلَ وَأَكَلَ أَصْحَابُهُ وَأَتَاهُ بِصَدَقَةٍ فَقَبِلَهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ».
(قَالَ الشَّيْخُ) الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاعْلَمْ أَنَّ سَلْمَانَ كَانَ مِنْ قَوْمٍ يَعْبُدُونَ الْخَيْلَ الْبُلْقَ فَوَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَيْءٍ وَجَعَلَ يَتَنَقَّلُ مِنْ دِينٍ إلَى دِينٍ يَطْلُبُ الْحَقَّ حَتَّى قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الصَّوَامِعِ لَعَلَّكَ تَطْلُبُ الْحَنِيفِيَّةَ وَقَدْ قَرُبَ أَوَانُهَا وَعَلَيْكَ بِيَثْرِبَ، وَمِنْ عَلَامَتِهِ أَنَّهُ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْمَدِينَةِ فَاسْتَرَقَّهُ بَعْضُ الْعَرَبِ فِي الطَّرِيقِ وَجَاءَ بِهِ إلَى الْمَدِينَةِ فَبَاعَهُ مِنْ بَعْضِ الْيَهُودِ وَكَانَ يَعْمَلُ فِي نَخِيلِ مَوْلَاهُ بِإِذْنِهِ حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَدِينَةِ «فَأَتَاهُ سَلْمَانُ بِطَبَقٍ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ؟ فَقَالَ: صَدَقَةٌ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ، فَقَالَ سَلْمَانُ فِي نَفْسِهِ هَذِهِ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ الْغَدِ بِطَبَقٍ فِيهِ رُطَبٌ، فَقَالَ مَا هَذَا يَا سَلْمَانُ؟