عَلَيْهِ أَنَّهُ أَخَذَ مَالَ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَاسْتَهْلَكَهُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَحْجُورًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ، فَإِنْ صَلَحَ سُئِلَ عَمَّا كَانَ أَقَرَّ بِهِ، فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ حَقًّا أُخِذَ بِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ الْإِقْرَارُ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ وَلَكِنْ أَقَرَّ بَعْدَمَا صَلُحَ ابْتِدَاءً أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ مَالَ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ حَقًّا لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ سِوَى الْإِقْرَارِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بَعْدَمَا صَلُحَ: إنِّي قَدْ كُنْت أَقْرَرْت، وَأَنَا مَحْجُورٌ عَلَيَّ أَنِّي اسْتَهْلَكْت لَك أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: أَقْرَرْت لِي بِذَلِكَ فِي حَالِ صَلَاحِكَ، أَوْ قَالَ قَدْ أَقْرَرْت بِهِ فِي حَالَ فَسَادِك، وَلَكِنَّهُ حَقٌّ وَقَالَ الْمُقِرُّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَقًّا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي صِحَّةَ إقْرَارِهِ، فَيَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ مُنْكِرًا لَا مُقِرًّا، فَيُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَمَا صَلُحَ قَدْ كُنْت أَقْرَرْت بِذَلِكَ فِي حَالِ الْفَسَادِ، وَكَانَ ذَلِكَ حَقًّا فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِقَوْلِهِ كَانَ ذَلِكَ حَقًّا صَارَ مُقِرًّا لَهُ بِوُجُوبِ الْمَالِ الْآنَ، فَيُلْزِمُهُ الْقَاضِي ذَلِكَ بِهَذَا الْإِقْرَارِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ لَوْ أَوْدَعَهُ رَجُلٌ، أَوْ أَقْرَضَهُ مَالًا، ثُمَّ كَبِرَ، فَأَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ فِي حَالِ صِغَرِهِ وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: اسْتَهْلَكْتَهُ بَعْدَ الْكِبَرِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ اسْتِهْلَاكَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ تُنَافِي وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ هُوَ مُنْكِرًا لِلضَّمَانِ، وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ: أَنَا أَقْرَضْتُكَ، أَوْ أَوْدَعْتُكَ بَعْدَ الْكِبَرِ فَاسْتَهْلَكْته، وَقَالَ الْغُلَامُ اسْتَهْلَكْته قَبْلَ الْكِبَرَ كَانَ الْغُلَامُ ضَامِنًا لِجَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغُلَامَ يَدَّعِي إسْنَادَ الْإِيدَاعِ، وَالْإِقْرَاضِ إلَى حَالَةِ الصِّغَرِ لِيَثْبُتَ بِهِ تَسْلِيطُهُ إيَّاهُ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ مُطْلَقًا، وَرَبُّ الْمَالِ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِذَا قَبِلَ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ بَقِيَ اسْتِهْلَاكُهُ لِلْمَالِ، وَهُوَ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ، وَقَالَ أَتْلَفْته بِإِذْنِكَ، وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْمَالِ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَإِذَا بَلَغْت الْمَرْأَةُ مَحْجُورًا عَلَيْهَا لِفَسَادِهَا، فَزُوِّجَتْ كُفُؤًا بِمَهْرِ مِثْلِهَا، أَوْ بِأَقَلَّ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَسَادَ فِيمَا صَنَعَ، وَالْحَجْرُ بِسَبَبِ الْفَسَادِ لَا يُؤَثِّرُ فِيمَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ فِي جَانِبِ الرَّجُلِ، فَكَذَلِكَ فِي جَانِبِهَا وَالْغَبْنُ الْيَسِيرُ مِمَّا لَا يُسْتَطَاعُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إلَّا بِحَرَجٍ، وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ، وَلَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فِيمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا قِيلَ: لِزَوْجِهَا إنْ شِئْت، فَأَتِمَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْفَسَادِ يَتَمَكَّنُ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمُحَابَاةِ فَلَا يُسَلَّمُ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ وَلَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّهُ يُلْزِمُهُ زِيَادَةً لَمْ يَرْضَ بِالْتِزَامِهَا، فَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ وَالْتَزَمَهُ.
وَإِنْ شَاءَ أَبَى فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ