سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ إلَّا فِي خِصَالٍ أَرْبَعٍ أَحَدُهَا: لَا يَجُوزُ لِوَصِيِّ الْأَبِ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ هَذَا الَّذِي بَلَغَ، وَهُوَ سَفِيهٌ إلَّا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ، وَيَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ عَلَى الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْوَصِيِّ عَلَيْهِ ثَابِتَةٌ إلَى وَقْتِ الْبُلُوغِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَنْفَرِدُ بِالْإِذْنِ لَهُ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ فِي ذَلِكَ، وَلِلْأَبِ وِلَايَةٌ عَلَى وَلَدِهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ فَأَمَّا بَعْدَ مَا بَلَغَ عَاقِلًا لَا يَبْقَى لِلْوَصِيِّ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ صَارَ وَلِيَّ نَفْسِهِ مَا لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الْقَاضِي، وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ وَلِيَّ نَفْسِهِ انْتِفَاءُ وِلَايَةِ الْوَصِيِّ عَنْهُ وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ الْبُلُوغَ عَنْ عَقْلِ مُخْرِجٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْلًى عَلَيْهِ، وَيَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ لِمَعْنَى النَّظَرِ لَهُ امْتَنَعَ ثُبُوتُ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ، وَهُوَ ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ لَهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ مِثْلُ ذَلِكَ النَّظَرِ فِي إبْقَاءِ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ عَلَيْهِ ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ تَأْثِيرَ السَّفَهِ كَتَأْثِيرِ الْهَزْلِ، وَلَا أَثَرَ لِلْهَزْلِ فِي إثْبَاتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ لِلْوَصِيِّ، وَلِلْهَزْلِ تَأْثِيرٌ فِي إبْطَالِ تَصَرُّفِهِ، فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْوَصِيِّ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ يَقُومُ هُوَ فِي التَّصَرُّفِ لَهُ مَقَامَ الْقَاضِي وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ لَا يَتْرُكُهُ لِيَمُوتَ جُوعًا، وَلَكِنْ يَتَصَرَّفُ لَهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَرُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ فِيهِ مَقَامَهُ وَالثَّانِي - أَنَّ السَّفِيهَ إذَا أَعْتَقَ مَمْلُوكًا لَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ بِخِلَافِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ تَأْثِيرَ السَّفَهِ كَتَأْثِيرِ الْهَزْلِ، ثُمَّ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخِرِ لَيْسَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَعَى إنَّمَا يَسْعَى لِمُعْتِقِهِ، وَالْمُعْتِقُ لَا تَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ قَطُّ لِحَقِّ مُعْتَقِهِ بِحَالٍ إنَّمَا تَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ لِحَقِّ غَيْرِهِ وَالثَّانِي - أَنَّ تَأْثِيرَ السَّفَهِ كَتَأْثِيرِ الْهَزْلِ، وَمَنْ أَعْتَقَ مَمْلُوكَهُ هَازِلًا لَا تَلْزَمُهُ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ فَهَذَا قِيَاسُهُ: وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ لِمَعْنَى النَّظَرِ لَهُ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ عَلَى الْمَرِيضِ لِأَجْلِ النَّظَرِ لِغُرَمَائِهِ، وَوَرَثَتِهِ، ثُمَّ هُنَاكَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا، وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ لِغُرَمَائِهِ أَوْ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِوَرَثَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَا مَالٌ سِوَاهُ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْعِتْقِ وَاجِبٌ لِمَعْنَى النَّظَرِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ الرَّدُّ بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ، فَهُنَا أَيْضًا رَدُّ الْعِتْقِ وَاجِبٌ لِمَعْنَى النَّظَرِ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّ عَيْنِهِ، فَيَكُونُ الرَّدُّ بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ، فَهُنَا أَيْضًا وَاجِبٌ لِمَعْنَى النَّظَرِ لَهُ، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ، فَكَانَ الرَّدُّ بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى النَّظَرِ لَهُ فِي حُكْمِ الْحَجْرِ بِمَنْزِلَةِ النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْحَجْرِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ السِّعَايَةِ.
وَالثَّالِثُ - أَنَّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ إذَا دَبَّرَ عَبْدَهُ لَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَهَذَا السَّفِيهُ إذَا دَبَّرَ عَبْدَهُ جَازَ تَدْبِيرُهُ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ لِلْمُدَبَّرِ، فَيُعْتَبَرُ بِحَقِيقَةِ الْعِتْقِ إلَّا أَنَّ