قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إمْلَاءً: اعْلَمْ بِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ، وَالِاكْتِسَابُ بِالزِّرَاعَةِ مَشْرُوعٌ، أَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ آدَم - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا أُهْبِطَ إلَى الْأَرْضِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِحِنْطَةٍ وَأَمَرَهُ بِالزِّرَاعَةِ، وَازْدَرَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجُرْفِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الزَّارِعُ يُتَاجِرُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اُطْلُبُوا الرِّزْقَ تَحْتَ خَبَايَا الْأَرْضِ» يَعْنِي: عَمَلَ الزِّرَاعَةِ، وَالْعَقْدُ الَّذِي يَجْرِي بَيْنَ اثْنَيْنِ لِهَذَا الْمَقْصُودِ يُسَمَّى مُزَارَعَةً، وَيُسَمَّى مُخَابَرَةً أَيْضًا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ فَقِيلَ: وَمَا الْمُخَابَرَةُ قَالَ: الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ» وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مُخَابَرَةً مِنْ تَسْمِيَةِ الْعَرَبِ الزَّارِعَ خَبِيرًا وَقِيلَ: هَذَا الِاشْتِقَاقُ مِنْ مُعَامَلَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَهْلِ خَيْبَرَ فَسُمِّيَتْ مُخَابَرَةً بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِمْ، وَبَيَانُهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بُدِئَ الْكِتَابُ بِهِ، وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي الْمُطَرِّفِ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْيَهُودِ حِينَ عَامَلَهُمْ عَلَى خَيْبَرَ أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ» وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَرْسَلَ الْحَدِيثَ حِينَ لَمْ يُبَيِّنْ اسْمَ الرَّاوِي، وَرَوَاهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُسْتَدِلًّا بِهِ عَلَى جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ، فَقَدْ عَامَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى الشَّطْرِ، وَفِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلِيلُ الْجَوَازِ، وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ اسْتَرَقَّهُمْ وَتَمَلَّكَ أَرَاضِيَهُمْ وَنَخِيلَهُمْ، ثُمَّ جَعَلَهَا فِي أَيْدِيهِمْ يَعْمَلُونَ فِيهَا لِلْمُسْلِمِينَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبِيدِ فِي نَخِيلِ مَوَالِيهِمْ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِيَتَفَرَّغُوا لِلْجِهَادِ بِأَنْفُسِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا أَبْصَرَ بِذَلِكَ الْعَمَلِ مِنْ