وَلَكِنْ يَأْمُرُهُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ بِنَفْسِهِ وَعِنْدَهُمَا يُعَشِّرُهُ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ، وَالْعَاشِرُ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ فَيَأْخُذُ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ كَمَا يَأْخُذُ مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ لِحَاجَةِ صَاحِبِ الْمَالِ إلَى حِمَايَتِهِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَرْفَانِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلْعَاشِرِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ الْمَمْرُورِ بِهِ عَلَيْهِ خَاصَّةً وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تَبْقَى حَوْلًا فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا إلَّا بِاعْتِبَارِ غَيْرِهَا مِمَّا لَمْ يَمُرَّ بِهِ عَلَيْهِ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ مَرَّ عَلَيْهِ بِمَا دُونَ النِّصَابِ، وَقَالَ: فِي بَيْتِي مَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ. وَالثَّانِي - أَنَّ الْعَاشِرَ يَأْخُذُ مِنْ عَيْنِ مَا يَمُرُّ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ فُقَرَاءُ لِيَصْرِفَهُ إلَيْهِمْ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَدَّخِرَهُ إلَى أَنْ يَأْتِيَهُ الْفُقَرَاءُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَفْسُدُ فَقُلْنَا لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا وَلَكِنْ يَأْمُرُهُ بِالْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَأْخُذُ مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ، أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ عَلَى الطَّرِيقِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ مَنْ يَصْرِفُ إلَيْهِمْ الْمَأْخُوذَ
(قَالَ): وَإِنْ مَرَّ الذِّمِّيُّ عَلَى الْعَاشِرِ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لِلتِّجَارَةِ عَشَّرَ الْخَمْرَ مِنْ قِيمَتِهَا وَلَمْ يُعَشِّرْ الْخَنَازِيرَ، وَرَوَاهُ فِي الْخَمْرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَكَانَ مَسْرُوقٌ يَقُولُ: يَأْخُذُ مِنْ عَيْنِ الْخَمْرِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ بِالْخَنَازِيرِ وَحْدَهَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ مَرَّ بِهَا مَعَ الْخَمْرِ أَخَذَ مِنْهَا جَمِيعًا مِنْ الْقِيمَةِ وَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْخَنَازِيرَ فِي هَذَا تَبَعًا لِلْخَمْرِ وَهُوَ نَظِيرُ مَذْهَبِهِ فِي وَقْفِ الْمَنْقُولِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا تَبَعًا لِلْعَقَارِ. وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ لَهُ. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَّالَهُ يَأْخُذُونَ الْعُشْرَ مِنْ خُمُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالَ: وُلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا، ثُمَّ الْخَمْرُ عَيْنٌ هُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْمَالِيَّةِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ قَبْلَ التَّخْمِيرِ كَانَ مَالًا وَهُوَ بِعَرْضِ الْمَالِيَّةِ إذَا تَخَلَّلَ بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَرْضِيَّةُ الْمَالِيَّةِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ وَالْعَاشِرُ مُسْلِمٌ فَلِهَذَا لَا يَأْخُذُ مِنْهَا
(قَالَ): رَجُلٌ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ مَكَثَتْ عِنْدَهُ أَشْهُرًا، ثُمَّ وَهَبَهَا لِرَجُلٍ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا، قَالَ: يَسْتَأْنِفُ لَهَا الْحَوْلَ مِنْ وَقْتِ رُجُوعِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ زَالَ بِالْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِمَّا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ لَهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الْحَوْلِ إلَّا بِمَحِلٍّ. (قَالَ): وَإِنْ مَكَثَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ سَنَةً ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَكَاةُ تِلْكَ السَّنَةِ، أَمَّا عَلَى الْوَاهِبِ فَلِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ فِي الْحَوْلِ، وَأَمَّا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلِأَنَّ مَالَ الزَّكَاةِ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِهِ بِغَيْرِ اخْتِبَارِهِ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ رُجُوعُ الْوَاهِبِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ عِنْدَنَا.
وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنْ كَانَ رُجُوعُهُ بِقَضَاءٍ