فَيَكُونُ الدَّفْعُ خِيَانَةً فِي حَقِّهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَوْدَعَهُ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ أَمِينٌ فِي حِفْظِ الرَّهْنِ كَالْمُسْتَوْدِعِ، وَالْمُودِعِ إذَا أَوْدَعَ أَجْنَبِيًّا صَارَ ضَامِنًا، وَإِنْ أَوْدَعَهُ بَعْضَ مَنْ فِي عِيَالِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ الْوَدِيعَةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ الْعَدْلُ، وَكَذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ لَوْ كَانَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ فَدَفَعَهُ إلَى مَنْ فِي عِيَالِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِنْ دَفَعَهُ إلَى أَجْنَبِيٍّ كَانَ ضَامِنًا لِلْعَيْنِ
قَالَ وَإِذَا كَانَ الْعَدْلُ رَجُلَيْنِ، وَالرَّهْنُ مِمَّا لَا يُقْسَمُ فَوَضَعَاهُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا كَانَ جَائِزًا، وَلَا ضَمَانَ فِيهِ كَالْمُودِعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْدَعَهُمَا مَعَ عَلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُمَا الِاجْتِمَاعُ عَلَى حِفْظِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَأَطْرَافَ النَّهَارِ فَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِتَرْكِ أَحَدِهِمَا إيَّاهُ عِنْدَ صَاحِبِهِ، وَإِذَا كَانَ مِمَّا يُقْسَمُ اقْتَسَمَاهُ فَكَانَ عِنْدَ كُلِّ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ فَإِنْ، وَضَعَاهُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا فَمَنْ الَّذِي وَضَعَ حِصَّتَهُ عِنْدَ صَاحِبِهِ؟ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَعِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُؤْتَمَنٌ فِيهِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَدِيعَةِ
وَلَوْ سَافَرَ الْعَدْلُ أَوْ انْتَقَلَ مِنْ الْبَلَدِ فَذَهَبَ بِالرَّهْنِ مَعَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْعَيْنِ كَالْمُودَعِ، وَلِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ عِنْدَنَا، وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِيمَا لَهُ حِمْلٌ، وَمُؤْنَةٌ وَفِيمَا لَا حِمْلَ لَهُ، وَلَا مُؤْنَةَ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ بَعُدَتْ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ، وَكَذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ نَفْسُهُ إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُمْنَعُ عَلَيْهِ الْمُسَافِرَةُ بِسَبَبِ الرَّهْنِ، وَلَوْ دَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ كَانَ ضَامِنًا مُخَالِفًا لِمَا أَوْجَبَ لَهُ نَصًّا فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ مَعَهُ
فَإِنْ سُلِّطَ الْعَدْلُ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ فَأَبَى أَنْ يَبِيعَ فَرَفَعَهُ الْمُرْتَهِنُ إلَى الْقَاضِي أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى الْبَيْعِ بَعْدَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، فَإِنَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْبَيْعِ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بِالْبَيْعِ لَيْسَتْ مِنْ ضِمْنِ عَقْدٍ لَازِمٍ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ اللُّزُومِ فِيهِ، وَتَسْلِيطُ الْعَدْلِ عَلَى الْبَيْعِ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ لَازِمٍ، وَهُوَ الرَّهْنُ فَإِنَّ مُوجَبَ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْمُرْتَهِنِ لَازِمٌ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ وَالْعَدْلُ نَائِبٌ فِي الْبَيْعِ فَيَثْبُتُ حُكْمُ اللُّزُومِ فِي حَقِّهِ نَصًّا تَوْضِيحُهُ: أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْبَيْعِ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُوَكِّلُ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْبَيْعِ نَفْسَهُ.
وَأَمَّا الْعَدْلُ: إذَا تَضَرَّرَ مِنْ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَتَضَرَّرُ مِنْهُ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْبَيْعِ هَذَا إذَا كَانَ التَّسْلِيطُ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ، فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: لَا يُجْبَرُ الْعَدْلُ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ رِضَا الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّهْنِ قَدْ تَمَّ بِدُونِهِ هَذَا، وَهُوَ تَوْكِيلٌ مُسْتَأْنَفٌ لَيْسَ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ لَازِمٍ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) قَالَ: التَّسْلِيطُ عَلَى الْبَيْعِ بَعْدَ الرَّهْنِ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَيَصِيرُ كَالْمَشْرُوطِ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ عَزْلَ الْعَدْلِ الْمُسَلَّطِ عَلَى الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ - بَعْدَ تَمَامِ الرَّهْنِ - سَلَّطَهُ، فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي مَضَى، وَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ