عَلَيْهِمْ وَيَدِقُّ الْحِسَابُ أَوْ تَتَعَذَّرُ الْقِسْمَةُ فِي الْبَعْضِ كَالْجَوْهَرَةِ النَّفِيسَةِ وَنَحْوِهَا.
فَإِذَا أَخْرَجُوا الْبَعْضَ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ تَيَسَّرَ عَلَى الْبَاقِينَ قِسْمَةُ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمْ فَجَازَ الصُّلْحُ لِذَلِكَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: مَا رَأَيْت شُرَيْحًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصْلَحَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ إلَّا امْرَأَةً اسْتَوْدَعَتْ وَدِيعَةً فَاحْتَرَقَ بَيْتُهَا فَنَاوَلَتْهَا جَارَةً لَهَا فَضَاعَتْ فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمَا عَلَى مِائَةٍ وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ عَادَةِ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِاشْتِغَالُ بِطَلَبِ الْحُجَّةِ الَّتِي يَفْصِلُ الْحُكْمُ بِهَا وَمَا كَانَ يُبَاشِرُ الصُّلْحَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ بِنَفْسِهِ وَكَانَ يَقُولُ إنَّمَا حُبِسَ الْقَاضِي لِفَصْلِ الْقَضَاءِ وَلِأَجْلِهِ تَقَدَّمَ إلَيْهِ الْخَصْمَانِ وَلِلصُّلْحِ غَيْرُ الْقَاضِي فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِمَا تُعُيِّنَ لَهُ وَيَدَعَ الصُّلْحَ لِغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ لِأَجْلِ الِاشْتِبَاهِ وَتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ دَعَاهُمَا إلَى الصُّلْحِ فَإِنَّ الْمُودَعَ إذَا وَقَعَ الْحَرِيقُ فِي بَيْتِهِ فَنَاوَلَ الْوَدِيعَةَ جَارًا لَهُ كَانَ ضَامِنًا فِي الْقِيَاسِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَى الْغَيْرِ فِي هَذِهِ الْحَالِ مِنْ الْحِفْظِ وَلَكِنَّهُ عَادَةً بِخِلَافِ النَّصِّ فَإِنَّ الْمُودِعَ أَمَرَهُ بِأَنْ يَحْفَظَ بِنَفْسِهِ نَصًّا وَأَنْ لَا يَدْفَعَ إلَى الْغَيْرِ فَهَذِهِ الْحَالُ مِنْ الْحِفْظِ وَلَكِنَّهُ عَادَةً بِخِلَافِ النَّصِّ فَإِنَّ الْمُودِعَ أَمَرَهُ بِأَنْ يَحْفَظَ بِنَفْسِهِ نَصًّا وَأَنْ لَا يَدْفَعَ إلَى أَجْنَبِيٍّ فَلِاشْتِبَاهِ الْأَدِلَّةِ أَصْلَحَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَالٍ وَذَكَرَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ بَرِيرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَتَتْهَا تَسْأَلُهَا فَقَالَتْ إنْ شِئْتِ عَدَدْتُهَا لِأَهْلِكَ عِدَّةً وَاحِدَةً وَأَعْتَقْتُكِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِأَهْلِهَا فَقَالُوا لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَنَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِرَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَاشْتَرَتْهَا وَأَعْتَقَتْهَا وَخَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى شُرُوطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَكِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَكُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُ أَحَدُهُمْ أَعْتِقْ يَا فُلَانُ وَالْوَلَاءُ لِي وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ.
وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا لِيَتَبَيَّنَ أَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي تُؤَدَّى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا اشْتَرِي وَاشْتَرِطِي فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَهْمٌ مِنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَمَالِي فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْغُرُورِ وَمَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْمُرَ أَحَدًا بِالْغُرُورِ وَمَقْصُودُهُ مِنْ إيرَادِ الْحَدِيثِ هُنَا بَيَانُ أَنَّهُ يَجُوزُ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ وَالتَّرَاضِي مَا لَا يَجُوزُ بِدُونِهِ فَإِنَّ بَرِيرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ مُكَاتَبَةً وَقَدْ اشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِرِضَاهَا وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا جَازَ شِرَاؤُهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الصُّلْحِ مَا لَا يَكُونُ