وَاعْتِبَارُ النِّصَابِ بِدُونِ غِنَى الْمَالِكِ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ لَا يَجُوزُ كَمَا إذَا كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ذِمِّيًّا أَوْ مُكَاتَبًا وَبِهِ يَبْطُلُ اعْتِبَارُهُمْ خِفَّةَ الْمُؤْنَةِ
(قَالَ) وَإِذَا كَانَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ بَيْنَ رَجُلٍ وَبَيْنَ عَشَرَةِ نَفَرٍ كُلُّ بَعِيرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِهِمْ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجِبُ شَيْءٌ. زُفَرُ يَقُولُ: كُلُّ بَعِيرٍ غَيْرِ مُحْتَمَلٍ لِلْقِسْمَةِ فَلَمْ يَجْتَمِعْ فِي مِلْكِهِ نِصَابٌ تَامٌّ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: لَوْ كَانَ شَرِيكُهُ فِيهَا رَجُلًا وَاحِدًا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَتَعَدُّدُ الشُّرَكَاءِ لَا يُنْقِصُ مِلْكَهُ وَلَا يَعْدَمُ صِفَةَ الْغِنَى فِي حَقِّهِ بَلْ هُوَ غَنِيٌّ بِمَلْكِ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ
(قَالَ) وَإِذَا وَجَبَتْ الْفَرِيضَةُ فِي الْإِبِلِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ السِّنُّ وَوُجِدَ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ دُونَهُ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ قِيمَةَ الْوَاجِبِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مَا وَجَدَ وَرَدَّ فَضْلَ الْقِيمَةِ إنْ كَانَ أَفْضَلَ، فَإِنْ كَانَ دُونَهُ أَخَذَ فَضْلَ الْقِيمَةِ دَرَاهِمَ. وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَشْتَمِلُ عَلَى فُصُولٍ: أَحَدُهَا - أَنَّ جُبْرَانَ مَا بَيْنَ السِّنِينَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ عِنْدَنَا وَلَكِنَّهُ بِحَسَبِ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَقَدَّرُ بِشَاتَيْنِ أَوْ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ وَجَبَ فِي إبِلِهِ بِنْتُ لَبُونٍ فَلَمْ يَجِدْ الْمُصَدِّقُ فِيهَا إلَّا حِقَّةً أَخَذَهَا وَرَدَّ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا مِمَّا اسْتَيْسَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا بِنْتَ مَخَاضٍ أَخَذَهَا وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا مِمَّا اسْتَيْسَرَ عَلَيْهِ» وَلَكِنَّا نَقُولُ إنَّمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَفَاوُتَ مَا بَيْنَ السِّنِينَ فِي زَمَانِهِ كَانَ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا أَنَّهُ تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَدَّرَ جُبْرَانَ مَا بَيْنَ السِّنِينَ بِشَاةٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَهُوَ كَانَ مُصَدِّقَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا كَانَ يَخْفَى عَلَيْهِ هَذَا النَّصُّ وَلَا يَظُنُّ بِهِ مُخَالَفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ تَفَاوُتَ مَا بَيْنَ السِّنِينَ فِي زَمَانِهِ كَانَ ذَلِكَ الْقَدْرَ، وَلِأَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا تَفَاوُتَ مَا بَيْنَ السِّنِينَ بِشَيْءٍ أَدَّى إلَى الْإِضْرَارِ بِالْفُقَرَاءِ أَوْ الْإِجْحَافِ بِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَ الْحِقَّةَ وَرَدَّ شَاتَيْنِ فَرُبَّمَا تَكُونُ قِيمَتُهُمَا قِيمَةَ الْحِقَّةِ فَيَصِيرُ تَارِكًا لِلزَّكَاةِ عَلَيْهِ مَعْنًى، وَإِذَا أَخَذَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَأَخَذَ الشَّاتَيْنِ فَقَدْ تَكُونُ قِيمَتُهُمَا مِثْلَ قِيمَةِ بِنْتِ اللَّبُونِ فَيَكُونُ آخِذًا لِلزَّكَاةِ بِأَخْذِهِمَا وَبِنْتُ الْمَخَاضِ تَكُونُ زِيَادَةً وَفِيهِ إجْحَافٌ بِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ.
(الْفَصْلُ الثَّانِي) إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي إبِلِهِ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ تُوجَدْ وَوَجَدَ ابْنَ اللَّبُونِ فَعِنْدَنَا لَا يَتَعَيَّنُ أَخْذُ ابْنِ اللَّبُونِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَعَيَّنُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ