الضَّمُّ فِي الْمُطَالَبَةِ دُونَ أَصْلِ الدَّيْنِ بَلْ أَصْلُ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ عَلَى حَالِهِ. وَالْكَفِيلُ يَصِيرُ مُطَالَبًا كَالْأَصِيلِ وَكَمَا يَجُوزُ أَنْ تَنْفَصِلَ الْمُطَالَبَةُ عَنْ أَصْلِ الدَّيْنِ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ ابْتِدَاءً حَتَّى تَكُونَ الْمُطَالَبَةُ بِالثَّمَنِ لِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَأَصْلُ الثَّمَنِ لِلْمُوَكِّلِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ تَنْفَصِلَ الْمُطَالَبَةُ عَنْ أَصْلِ الدَّيْنِ فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ فَتَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ عَلَى الْكَفِيلِ بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَأَصْلُ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ وَكَذَلِكَ تَنْفَصِلُ الْمُطَالَبَةُ عَنْ أَصْلِ الدَّيْنِ سُقُوطًا بِالتَّأْجِيلِ فَكَذَلِكَ الْتِزَامًا بِالْكَفَالَةِ، وَالْمُطَالَبَةُ مَعَ أَصْلِ الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ مِلْكِ التَّصَرُّفِ مَعَ مِلْكِ الْغَيْرِ فَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِلْكُ التَّصَرُّفِ عَنْ مِلْكِ الْعَيْنِ فِي حَقِّ الْمُطَالَبَةِ وَمِلْكُ الْيَدِ عَنْ مِلْكِ الْعَيْنِ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ بِالْكَفَالَةِ عَنْ الْتِزَامِ أَصْلِ الدَّيْنِ (وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ) أَنْ تَنْضَمَّ ذِمَّةُ الْكَفِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْأَصِيلِ فِي ثُبُوتِ أَصْلِ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إقْرَاضٌ لِلذِّمَّةِ.
وَالْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ يَنْبَنِي عَلَى الْتِزَامِ أَصْلِ الدَّيْنِ وَلَيْسَ ضَرُورَةُ ثُبُوتِ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ مَعَ بَقَائِهِ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ مَا يُوجِبُ زِيَادَةَ حَقِّ الطَّالِبِ لِأَنَّهُ وَإِنْ ثَبَتَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِمَا، فَلِأَنَّ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا كَالْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ لِلْقِيمَةِ وَلَا يَكُونُ حَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إلَّا فِي ذِمَّةِ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا غَيْرَ أَنَّ هُنَاكَ اخْتِيَارُ تَضْمِينِ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْآخَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّمْلِيكِ مِنْهُ وَهُنَا لَا يُوجِبُ مَا لَا تُوجَدُ حَقِيقَةُ الِاسْتِيفَاءِ فَلِهَذَا مَلَكَ مُطَالَبَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهِ (وَالْحَوَالَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّحَوُّلِ) وَمِنْهُ الْحَوَالَةُ فِي الْغَرْسِ بِالنَّقْلِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ وَمُوجَبُهُ تَحَوُّلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَثُّقِ بِهِ وَالْعَقْدَانِ فِي الشَّرْعِ
(وَأَمَّا الْكَفَالَةُ) فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وَمَا ثَبَتَ فِي شَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَنَا فَهُوَ ثَابِتٌ فِي شَرِيعَتِنَا مَا لَمْ يَظْهَرْ نَسْخُهُ وَالظَّاهِرُ هُنَا التَّقْرِيرُ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ وَالنَّاسُ يَكْفُلُونَ فَأَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ». وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الْحَوَالَةِ قَوْلُهُ «مَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» أَيْ فَلْيَتْبَعْ مَنْ أُحِيلَ عَلَيْهِ وَالْكَفَالَةُ مَعَ جَوَازِهَا وَحُصُولِ التَّوَثُّقِ بِهَا فَالِامْتِنَاعُ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ عَلَى مَا قِيلَ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ الزَّعَامَةُ أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ وَآخِرُهَا غَرَامَةٌ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي مُوجَبِ الْعَقْدَيْنِ فَعِنْدَنَا الْكَفَالَةُ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ وَالْحَوَالَةُ تُوجِبُ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَفَالَةُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ كَالْحَوَالَةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُوبِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ فَرَاغُ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ مِنْهُ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي