الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْخُصُومَةِ فِي الْعَيْبِ، وَالْمُشْتَرِي إنَّمَا يُخَاصِمُ الْبَائِعَ فِي الْعَيْبِ إذَا كَانَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِهِ فَإِنَّمَا لَهُ، وَهُنَا قَدْ انْفَسَخَ ذَلِكَ الْمِلْكُ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ بِالرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا رُدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْمُسْتَفَادَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ قَدْ عَادَ إلَيْهِ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَ فِي آخِرِ الصُّلْحِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ إذَا وَجَدَ بِالْبَيْعِ عَيْبًا، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِعَيْبٍ حَدِيثٍ عِنْدَهُ وَرَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لِبَائِعِهِ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ عَلَى الْبَائِعِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَفَادَ لَهُ مِنْ قِبَلِهِ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِمَا غَرِمَ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي مِنْ نُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ
قَالَ: رَجُلَانِ اشْتَرَيَا جَارِيَةً فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ فَوَلَدَتْ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَعُقْرَهَا وَقِيمَةَ، وَلَدِهَا، وَلَمْ يَرْجِعْ الْأَبُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نِصْفَهَا مِنْ جِهَتِهِ بِحُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ، وَالْجُزْءُ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَاهِبِ بِشَيْءٍ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ النِّصْفَ مِنْ جِهَتِهِ بِعَقْدِ التَّبَرُّعِ، وَلَكِنَّ الْوَاهِبَ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا عَلَى مَنْ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْوَاهِبِ يَكُونُ اسْتِحْقَاقًا عَلَى الْوَاهِبِ فَيَرْجِعُ بِثَمَنِ مَا اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَمْ يَغْرَمْ الْوَاهِبُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ شَيْئًا لِيَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ
قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَغَرِمَ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ عُقْرِهَا لِشَرِيكِهِ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ قُضِيَ لَهُ بِهَا وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ، وَالْعُقْرُ لِلْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّ الْغُرُورَ يَتَحَقَّقُ بِقِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ فِي نِصْفِهَا ظَاهِرًا فَإِنَّ الِاسْتِيلَادَ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْقَدْرِ صَحِيحٌ فِي إثْبَاتِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ لِلْوَلَدِ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ لِمَا بَيَّنَّا وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِمَا أَعْطَاهُ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا وَنِصْفِ عُقْرِهَا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَتَمَلَّكْ عَلَى شَرِيكِهِ نَصِيبَهُ، وَلَمْ يَحْصُلْ وَطْؤُهُ فِي مِلْكِهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَةِ شَرِيكِهِ فَإِنَّ تَمَلُّكَهُ عَلَى شَرِيكِهِ مَا كَانَ بِاخْتِيَارٍ مِنْهُ وَيَرْجِعُ الشَّرِيكُ عَلَى بَائِعِهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ لِاسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ
قَالَ: وَإِذَا تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ امْرَأَةً حُرَّةً بِإِذْنِ مَوْلَاهُ فَوَلَدَتْ لَهُ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ وَقُضِيَ بِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْعِتْقَ بِسَبَبِ الْغُرُورِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَذَلِكَ مُتَحَقِّقٌ فِي حَقِّ الْعَبْدِ كَمَا هُوَ فِي حَقِّ الْحُرِّ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْمَخْلُوقُ مِنْ مَاءِ رَقِيقَيْنِ