زَوَّجَاك فَقَدْ طَلَبْت مِنْهُ أَنْ يُعِفُّهَا عَنْ الزِّنَا بَلْ يَعْقِدُ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يُجِبْهَا إلَى ذَلِكَ وَلَا يُقَالُ إنَّمَا يُجِبْهَا إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الزَّوْجُ رَاضٍ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي النِّكَاحَ وَالْمَرْأَةُ رَضِيَتْ أَيْضًا حَيْثُ قَالَتْ فَزَوِّجْنِي مِنْهُ وَكَانَ يَتَيَسَّرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَدْ كَانَ الزَّوْجُ رَاغِبًا فِيهَا، ثُمَّ لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ وَبَيْنَ أَنَّ مَقْصُودَهُمَا قَدْ حَصَلَ بِقَضَائِهِ فَقَالَ شَاهِدَاك زَوَّجَاك أَيْ أَلْزَمَانِي الْقَضَاءَ بِالنِّكَاحِ بَيْنَكُمَا فَثَبَتَ النِّكَاحُ بِقَضَاءٍ، وَمَا نُقِلَ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ كَالْمَرْفُوعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ حَقِيقَةً بِالرَّأْيِ وَيَتَبَيَّنُ بِهَذَا أَنَّ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ، وَبِهِ يَقُولُ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ قَضَى بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا لَهُ فِيهِ وِلَايَةُ الْإِنْشَاءِ
وَقَضَاؤُهُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ نَافِذًا حَقِيقَةً لِاسْتِحَالَةِ الْقَوْلِ بِأَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْقَضَاءِ، ثُمَّ لَا يَنْفَدُ ذَلِكَ الْقَضَاءُ مِنْهُ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّهُ لَمَّا تَفَحَّصَ عَنْ أَحْوَالِ الشُّهُودِ وَزُكُّوا عِنْدَهُ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِمْ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ يَأْثَمُ وَيُخْرَجُ وَيُعْزَلُ وَيُعْذَرُ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ صَارَ مَأْمُورًا بِالْقَضَاءِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ مِنْ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ لَنَا طَرِيقًا إلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الصِّدْقِ مِنْ خَبَرِ مَنْ هُوَ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَنْ الْكَذِبِ وَلَا يُتَوَجَّهُ عَلَيْهِ شَرْعًا لِوُقُوفٍ عَلَى مَا لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى مَعْرِفَتِهِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسْبِ الْوُسْعِ وَاَلَّذِي فِي وُسْعِهِ التَّعَرُّفُ عَنْ أَحْوَالِ الشُّهُودِ فَإِنْ اسْتَقْصَى ذَلِكَ غَايَةَ الِاسْتِقْصَاءِ فَقَدْ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ وَصَارَ مَأْمُورًا بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ مَا وَرَاءَ هَذَا سَاقِطٌ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ، ثُمَّ إنَّمَا يُتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ وَالْمَأْمُورُ بِهِ أَنْ يَجْعَلَهَا بِقَضَائِهِ زَوْجَتَهُ فَلِذَلِكَ طَرِيقَانِ إظْهَارُ نِكَاحٍ إنْ كَانَ، وَإِنْشَاءُ عَقْدٍ بَيْنَهُمَا. فَإِذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُمَا عَقْدٌ تَعَذَّرَ إظْهَارَهُ بِالْقَضَاءِ فَيَتَعَيَّنُ الْإِنْشَاءُ إذَا لَيْسَ هُنَا طَرِيقٌ آخَرُ فَيَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الْإِنْشَاءِ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ وَيَجْعَلَ إنْشَاءَهُ كَإِنْشَاءِ الْخَصْمَيْنِ فَيَثْبُتُ الْحِلُّ بِهِ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً بَلْ قَضَاؤُهُ أَوْلَى وَأَقْوَى مِنْ إنْشَاءِ الْخَصْمَيْنِ عَنْ اتِّفَاقٍ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي الْمُجْتَهِدَاتِ صِفَةُ اللُّزُومِ يَثْبُتُ بِإِنْشَاءِ الْقَاضِي وَلَا يَثْبُتُ بِإِنْشَاءِ الْخَصْمَيْنِ فَعَرَفْنَا أَنَّ قَضَاءَهُ أَقْوَى مِنْ إنْشَاءِ الْخَصْمَيْنِ.
وَشَرْطُ صِحَّةِ الْإِنْشَاءِ الشَّهَادَةُ وَالْمَحَلُّ الْقَابِلُ لَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَحَلَّ شَرْطٌ حَتَّى إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ، أَوْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِسَبَبٍ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّ. فَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ شَرْطُهُ إلَّا أَنَّ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ لَا يَخْلُو عَنْ شَاهِدَيْنِ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الشَّهَادَةَ. فَأَمَّا الْوَلِيُّ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْمَهْرِ وَيَجِبُ هَذَا التَّحْقِيقُ حُكْمُهُ بِأُلْفَةٍ وَهُوَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ رَجُلَانِ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَحَدُهُمَا