لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِ الرَّاهِنِ أَنَّهُ مَرْهُونٌ عِنْدَك بِالدَّيْنِ فَإِنَّ بِدُونِ هَذَا الْقَوْلِ إذَا قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ فَهُوَ غَاصِبٌ. وَإِذَا سَلَّمَهُ الرَّاهِنُ إلَيْهِ فَهُوَ مُودِعٌ فَعَرَفْنَا أَنَّ حُكْمَهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِ الرَّاهِنِ فَبِاعْتِبَارِ حُكْمِهِ جَعَلْنَاهُ كَالْأَقْوَالِ وَجَعَلَ شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْمُعَايَنَةِ فِيهِ وَشَهَادَتَهُمَا عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ سَوَاءً فَكَمَا أَنَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ اخْتِلَافَهُمَا فِي الْوَقْتِ وَالزَّمَانِ لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِشَهَادَتِهِمَا. فَكَذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُعَايَنَةِ.
وَإِذَا طَلَبَ الرَّجُلُ شُفْعَةً فِي دَارٍ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى الشِّرَاءِ وَاخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ، أَوْ فِي الْبَائِعِ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مُكَذِّبُ أَحَدَهُمَا لَا مَحَالَةَ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِقْرَارِ بِالشِّرَاءِ مِنْ وَاحِدٍ بِمَالٍ وَاخْتَلَفَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا كُنَّا جَمِيعًا فِي مَكَانِ كَذَا. وَقَالَ الْآخَرُ كُنَّا فُرَادَى أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا كُنَّا فِي الْبَيْتِ. وَقَالَ الْآخَرُ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا كَانَ ذَلِكَ بِالْغَدَاةِ. وَقَالَ الْآخَرُ كَانَ بِالْعَشِيِّ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ وَاخْتَلَفَا فِيمَا لَمْ يُكَلَّفَا حِفْظَهُ وَفِعْلَهُ فِي الْوَقْتِ وَالْمَكَانِ فَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمَا كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الثِّيَابِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمَا، أَوْ الْمَرَاكِبِ أَوْ فِيمَنْ حَضَرَهُمَا وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّهُمَا لَوْ سَكَتَا عَنْ بَيَانِ الْوَقْتِ وَالْمَكَانِ وَالْوَصْفِ لَمْ يَسْأَلْهُمَا الْقَاضِي عَنْ ذَلِكَ، وَلَوْ سَأَلَهُمَا فَقَالَا لَا نَحْفَظُ ذَلِكَ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُمَا، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ مَسَائِلِ أَدَبِ الْقَاضِي وَرَوَى فِيهِ حَدِيثَ الشَّعْبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ عُمَرَ إلَى مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْقَضَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَذَكَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مِنْ الْحَزْمِ أَنْ يَسْتَشِيرَ أَوْلَى الرَّأْيِ، ثُمَّ يُطِيعُهُمْ»، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتْرُكَ الِاسْتِشَارَةَ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْقَاضِي إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَالْمَشُورَةُ تَلْقِيحٌ لِلْعُقُولِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا هَلَكَ امْرُؤُ عَنْ مَشُورَةٍ» «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَشِيرُ أَصْحَابَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي قُوتِ أَهْلِهِ وَإِدَامِهِمْ»، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَشَارُ أَوْلَى الرَّأْيِ الْكَامِلِ وَيُتَحَرَّزُ عَنْ مَشُورَةِ نَاقِصَاتِ الْعَقْلِ مِنْ النِّسْوَانِ، وَأَنَّ مَنْ اسْتَشَارَ أَوْلَى الرَّأْيِ الْكَامِلِ مِنْ الرِّجَالِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُطِيعَهُمْ إذَا لَمْ يَتَّهِمْهُمْ فِيمَا أَشَارُوا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْمَشُورَةِ لَا تَظْهَرُ إلَّا بِالطَّاعَةِ.
وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ أَنَّ هَذَا الثَّوْبَ ثَوْبُ فُلَانٍ وَهُوَ فِي يَدِهِ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّ فُلَانًا الَّذِي شَهِدَا لَهُ أَقْرَبَهَا لِفُلَانٍ الَّذِي شَهِدَ عَلَيْهِ فَهُوَ لِذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا فِي الْإِقْرَارِ فِيهَا رَأْيًا كَمَا لَوْ عَايَنَ الْإِقْرَارَيْنِ وَيَبْقَى الثَّوْبُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ مُسْتَحَقًّا لَهُ بِيَدِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي اسْتِحْقَاقِهِ بِالْيَدِ.
دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ