رِوَايَتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِطُ فِي الرِّوَايَةِ الْحِفْظَ مِنْ حِينِ سَمِعَ إلَى أَنْ يَرْوِيَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا مَقَالَةً فَوَعَاهَا كَمَا سَمِعَهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إلَى مَنْ يَسْمَعُهَا» وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ أَخَذَ بِالرُّخْصَةِ لِلتَّيْسِيرِ عَلَى النَّاسِ.
وَقَالَ يُعْتَمَدُ خَطُّهُ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ الْقَاضِي وَرِوَايَةِ الْحَدِيثِ أَخَذَ بِالرُّخْصَةِ؛ لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ كَانَ فِي يَدِهِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ أَخَذَ بِالْعَزِيمَةِ فَقَالَ الصَّكُّ الَّذِي فِيهِ الشَّهَادَةُ كَانَ فِي يَدِ الْخَصْمِ فَلَا يَأْمَنُ الشَّاهِدُ التَّغْيِيرَ وَالتَّبْدِيلَ فِيهِ فَلَا يُعْتَمَدُ خَطُّهُ فِي الشَّهَادَةِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ الْحَادِثَةَ، وَإِنْ وَجَدَ الْقَاضِي سِجِلًّا فِي خَرِيطَتِهِ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ الْحَاجَةَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا، وَإِنْ نَسِيَ قَضَاءَهُ وَلَمْ يَكُنْ سَجَّلَ فَشَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدٌ أَنَّك قَضَيْت بِكَذَا لِهَذَا عَلَى هَذَا فَإِنْ تَذَكَّرَ أَمْضَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَقْضِي بِذَلِكَ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَعْتَمِدُ ذَلِكَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْتَمِدُ ذَلِكَ فَيَقْضِي بِهِ وَعَلَى هَذَا مَنْ سَمِعَ مِنْ غَيْرِهِ حَدِيثًا، ثُمَّ نَسِيَ ذَلِكَ رَاوِي الْأَصْلِ فَسَمِعَهُ مِمَّنْ يَرْوِي عِنْدَهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ رِوَايَةَ الْغَيْرِ عَنْهُ كَمَا لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ شَاهِدُ الْأَصْلِ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدُ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ ذَلِكَ لِلتَّيْسِيرِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا وَعَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي الرِّوَايَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهِيَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ سَمِعَهَا مُحَمَّدٌ مِنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، ثُمَّ نَسِيَ ذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَكَانَ لَا يَعْتَمِدَ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ لَا يَدَعُ الرِّوَايَةَ مَعَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فَحَالُ الْقَاضِي كَذَلِكَ.
وَمَا وُجِدَ فِي دِيوَانِ الْقَاضِي بَعْدَ أَنْ يَعْدِلَ مِنْ شَهَادَةٍ، أَوْ قَضَاءٍ، أَوْ إقْرَارٍ فَهُوَ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ وَلَا مَقْبُولٍ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَضَى بِهِ، وَأَنْفَذَهُ وَهُوَ قَاضٍ يَوْمَئِذٍ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَةَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَوِلَايَةُ الْقَاضِي فَوْقَ وِلَايَةِ الشَّهَادَةِ. فَإِذَا كَانَ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْءِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فَلِئَلَّا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ أَوْلَى وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86].
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلشَّاهِدِ «إذَا رَأَيْت مِثْلَ هَذِهِ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ»، ثُمَّ طَرِيقُ إثْبَاتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ كَانَ قَاضِيًا حِينَ قَضَى بِهَذَا فَلَعَلَّهُ أَنَفَذَهُ بَعْدَ الْعَزْلِ وَالْقَضَاءُ مِنْهُ بَعْدَ الْعَزْلِ لَا يَكُونُ نَافِذًا
وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَلَغَنَا أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَسَأَلَهُ عَنْ كَاتِبِهِ فَقَالَ هُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَغَضِبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ ذَلِكَ