تَنْعَدِمُ الْعَدَالَةُ الثَّابِتَةُ مَا لَمْ تَظْهَرْ تَوْبَتُهُ وَانْزِجَارُهُ عَنْهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إلَّا مَجْلُودًا حَدًّا فِي قَذْفٍ فَهُوَ دَلِيلٌ لَنَا عَلَى أَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ تَابَ، وَإِنَّ الْعَدَالَةَ الْمُعْتَبَرَةَ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ تَنْعَدِمُ بِإِقَامَةِ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَيْهِ كَمَا أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4]، ثُمَّ قَالَ، أَوْ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ فَإِنَّهُ إذَا عُرِفَ مِنْهُ شَهَادَةُ الزُّورِ فَقَدْ ظَهَرَ مِنْهُ الْجِنَايَةُ فِي هَذِهِ الْأَمَانَةِ وَمِنْ ظَهَرَتْ جِنَايَتُهُ فِي شَيْءٍ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ ارْتِكَابُ الْكَبِيرَةِ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ.»
ثُمَّ (قَالَ) لَوْ ظَنَنَّا فِي وَلَاءٍ، أَوْ قَرَابَةٍ أَيٍّ مِنْهُمَا بِسَبَبِ قَرَابَةٍ أَوْ وَلَاءٍ وَهُوَ الْمُوَالَاةُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ لَا تَكُونُ مَقْبُولَةً وَهُوَ دَلِيلٌ لَنَا عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ لَا تُقْبَلُ فَالزَّوْجِيَّةُ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ الْمُوَالَاةِ وَهُوَ مِمَّا يَجْعَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَائِلًا إلَى صَاحِبِهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى نَفْسِ الْوَلَاءِ وَالْقَرَابَةِ أَنَّهُمَا لَا يَقْدَحَانِ فِي الْعَدَالَةِ، وَلَكِنْ إذَا تَمَكَّنَتْ التُّهْمَةُ حِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِالشَّهَادَةِ حَتَّى قِيلَ فِي مَعْنَاهُ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ الْمَيْلُ إلَى مَوْلَاهُ وَقَرَابَتِهِ فِي كُلِّ حَقٍّ وَبَاطِلٍ حَتَّى يُؤْثِرَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْقَانِعِ بِأَهْلِ الْبَيْتِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ.
ثُمَّ (قَالَ) فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى مِنْكُمْ السَّرَائِرَ يَعْنِي أَنَّ الْمُحِقَّ وَالْمُبْطِلَ لَيْسَ لِلْقَاضِي طَرِيقٌ إلَى مَعْرِفَتِهِ حَقِيقَةً فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْبٌ وَلَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَكِنَّ الطَّرِيقَ لِلْقَاضِي الْعَمَلُ بِمَا يَظْهَرُ عِنْدَهُ مِنْ الْحُجَّةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي قَوْلِهِ وَدَرَأَ عَنْكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ يَعْنِي دَرَأَ عَنْكُمْ اللَّوْمَ فِي الدُّنْيَا وَالْإِثْمَ وَالْعُقُوبَةَ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْقَضَاءُ جَمْرَةٌ فَادْفَعْ الْجَمْرَ عَنْك بِعُودَيْنِ» يَعْنِي شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ، ثُمَّ قَالَ إيَّاكَ وَالضَّجَرَ وَالْقَلَقَ وَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ إظْهَارِ الْغَضَبِ فَالْقَلَقُ الْحِدَةُ، وَالضَّجَرُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْكَلَامِ فَوْقَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَالْقَاضِي مَنْهِيٌّ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَكْسِرُ قَلْبَ الْخَصْمِ بِهِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ إقَامَةِ حُجَّتِهِ وَيَشْتَبِهُ عَلَى الْقَاضِي بِسَبَبِهِ طَرِيقُ الْإِصَابَةِ وَرُبَّمَا لَا يَفْهَمُ كَلَامَ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عِنْدَ ذَلِكَ (قَالَ) وَالْبَادِي بِالنَّاسِ يَعْنِي إظْهَارَ الْبَادِينَ بِكَثْرَةِ الْخُصُومِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَإِظْهَارَ الْمَلَالِ مِنْهُمْ وَالْمُرَادُ الْبَادِي بِمَا يَسْمَعُ مِنْ بَعْضِ الْخُصُومِ مِمَّا لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ فَقَدْ يُطَوِّلُ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ كَلَامَهُ، وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُظْهِرَ الْبَادِيَ بِذَلِكَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ. فَإِذَا تَكَلَّمَ بِمَا يَرْجِعُ إلَى الِاسْتِخْفَافِ بِالْقَاضِي أَوْ يُذْهِبُ بِهِ حِشْمَةَ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَحِينَئِذٍ يَمْنَعُهُ عَنْ ذَلِكَ وَيُؤَدِّبُهُ عَلَيْهِ
ثُمَّ (قَالَ) وَالتَّنَكُّرُ لِلْخُصُومِ وَهُوَ أَنْ يُقَطِّبَ وَجْهَهُ إذَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ